عاجل

في لحظة فارقة يعيشها الإعلام المصري، تتصدر توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تطوير المنظومة الإعلامية، باعتبارها خطوة جوهرية لصناعة وعي وطني يليق بتحديات الدولة المصرية، ويؤسس لإعلام وطني واعٍ قادر على مواجهة التحديات ومواكبة متغيرات العصر.

لكن خلف هذه التوجيهات يطل السؤال الأهم: هل نملك الشجاعة لتمكين الكفاءات وتجديد الدماء؟ أم سيظل الإعلام رهين الشللية والإقصاء والدوائر المغلقة التي كبلته طويلًا وأفقدته بريقه؟

وهنا يبرز التحدي الحقيقي: هل هناك أمناء على المهنة قادرون على ترجمة الرؤية الرئاسية إلى واقع ملموس؟ أمناء يفتحون الأبواب أمام شباب موهوب وكفء، ويستفيدون من خبرة شيوخ المهنة العظام؟ أم يظل الرئيس وحده من يسعى ويدفع باتجاه الإصلاح بينما تظل المؤسسات في مكانها أسيرة مصالحها الضيقة؟

لا بد أن يدرك القائمون على ملفات الصحافة والإعلام، وفي مقدمتهم رؤساء التحرير، أن كلمة تطوير ليست شعارات ترفع ولا إجراءات شكلية، فالتطوير في جوهره هو ارتقاء بالمهنة عبر الاستعانة بالكفاءات الحقيقية، وتأهيلهم، وتمكينهم من القيام بدورهم الأصيل في خدمة الوطن والمجتمع، ليكونوا قوة ناعمة حقيقية تدافع عن مصر وتعلي من شأنها بين الأمم.

إن أخطر ما يواجه أي مشروع إصلاحي للإعلام هو الإقصاء والتهميش والشللية، تلك الدوائر الضيقة التي تصادر حق المهنة في أن تكون مفتوحة على كل الطاقات والإبداعات، فالإعلام لا ينهض إلا بالتنوع، ولا يستعيد ثقة الناس إلا إذا ارتفع صوت المهنيين الحقيقيين فوق أي مصالح شخصية.

لقد حان الوقت للاعتراف بأن تطوير الإعلام ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية، لأنه يرتبط مباشرة بصناعة وعي الشعب، وتعزيز ثقافة الانتماء، ومواجهة حملات التضليل والشائعات، والإعلام القوي لا يُبنى على الولاءات الضيقة، وإنما على الكفاءة والجدية والتأهيل المستمر.

وإذا كان الرئيس السيسي قد وجه برسم خارطة طريق واضحة للإعلام، فإن المسؤولية الآن تقع على عاتق من بيدهم القرار داخل المؤسسات الصحفية والإعلامية أن يدركوا أن التطوير معناه تمكين المتميزين، وفتح المجال أمام الشباب، وتجديد الدماء داخل المؤسسات، لا تكريس نفس الوجوه ولا استمرار الشللية والمحسوبية التي أضعفت المهنة طويلًا.

إن الرهان على الإعلام هو رهان على المستقبل، فإما أن نملك الشجاعة لتأسيس منظومة حديثة تليق بمصر وتاريخها وريادتها، أو نظل ندور في حلقات مفرغة من التكرار والجمود. والتاريخ لا يرحم، كما أن الشعوب لا تُخدع طويلًا.

وفي ظل قيادة سياسية واعية تدرك قيمة الإعلام كقوة وطنية ناعمة في مواجهة التحديات، يبقى التحدي الحقيقي هو أن نجد أمناء على التنفيذ، يفضلون الكفاءة على الولاء الشخصي.

نحتاج إلى أمناء يضعون مصلحة الوطن فوق مصالحهم، ويؤمنون بأن الصحافة رسالة لا وظيفة، وأن الكلمة الصادقة قادرة أن تعيد للإعلام المصري مكانته في قلوب ووجدان الناس.

تم نسخ الرابط