عاجل

كم مرة فكرت في شيء وبمجرد أن فتحت حسابك الخاص على موقع فيس بوك وجدته يرشح لك ما تفكر فيه ويقدم لك عروض لتختار أنسبها؟، وكم مرة قرأت بوست "هو مارك عرف اللي أنا بفكر فيه منين"، بالتأكيد كثيرًا ما تكرر معك هذا الأمر، وإن كان هناك رد منطقي وعلمي بأن بحثك عن أشياء بعينها يمكن خوارزميات التواصل الاجتماعي من تحديد متطلباتك وبالتالي يقدمها لك في شكل إعلانات عن ما تريده، لكن ما توقفت عنده الردود هو أن ذلك يحدث دون أي بحث بل ودون أن ينطق بها الإنسان نفسه.

هل تستطيع الأجهزة الذكية قراءة أفكارنا دون أن ننطق بها؟، كان هذا هو السؤال الذي بدا إن إجابته نعم، ففي عام 2017 أعلنت شركة "فيس بوك" عن نيتها لتطوير جهاز يمكنه قراءة الأفكار وترجمتها إلى كلمات بسرعة تصل إلى 100 كلمة في الدقيقة، ومن أجل ذلك مولت أبحاث في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو "UCSF" من أجل تطوير "وحدة فك تشفير الكلام" التي تستطيع تفسير الإشارات الدماغية وتحويلها إلى نصوص.

وتحت إشراف عالم الأعصاب إدوارد تشانغ نُفذت الدراسة على مرضى يعانون من الصرع فخضعوا لجراحة زرع أقطاب كهربائية على سطح الدماغ لمراقبة نشاطه بواسطة أجهزة "ECoG،"، ثم طلب من المشاركين قراءة جمل بصوت عالِ بينما كانت الأقطاب تسجل الإشارات الدماغية المرتبطة بحركة العضلات والكلام، كما تم تحليل الإشارات وربطها بالكلمات المنطوقة.

أسفرت تلك التجربة في النهاية عن نجاح الباحثين في تطوير نموذج اولي لوحدة فك تشفير الكلام وتمييز الكلمات والجمل التي نطقها المشاركون بدقة معقولة، ووصل نسبة معدل فك التشفير في بعض الحالات إلى 75 % وهو ما يعني علميًا إمكانية مساعدة الأشخاص الذين فقدوا القدرة على الكلام بسبب إصابات أو امراض.

رغم ذلك كانت التحديات موجودة إذ واجه الفريق إشكالية التعقيد الفردي فالإشارات الدماغية تختلف من شخص لآخر ما يعني نماذج مخصصة لكل فرد، كما تتطلب تلك التقنية تدخل جراحي لزرع الأقطاب ما يثير مخاوف تتعلق بالسلامة. 

بعد عامين وتحديدًا في 2019 أعلن فريق من جامعة كارنيجي ميلون "CMU" عن تطوير تقنية جديدة لقراءة الأفكار دون الحاجة إلى تدخل جراحي، وكان الهدف من هذه الدراسة هو استخدام تقنيات غير جراحية لقياس نشاط الدماغ وترجمته إلى كلمات أو أوامر، وقد تمت تحت إشراف البروفيسور توم ميتشل وشملت مجموعة من المتطوعين الأصحاء، واستخدم الباحثون تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي "fMRI" لقياس نشاط الدماغ.

وخلال الدراسة طلب من المشاركين التفكير في كلمات أو جمل معينة دون النطق بها، بينما كانت اجهزة "fMRI"تسجل نشاط الدماغ من خلال خوارزميات تعلم الآلة لتحليل الأنماط في الإشارات الدماغية وربطها بالكلمات أو الجمل المفكر فيها، وأسفرت التجربة عن تمييز الكلمات التي فكر فيها المشاركون بدقة تصل إلى 70 % بجانب تحديد الانماط المشتركة في نشاط الدماغ المرتبطة بأفكار معينة.

مخاطر التجربة الثانية كانت حاضرة أيضًا فتحقيق دقة تصل إلى 70 % يعني وجود نسبة كبيرة من الخطأ تحتاج إلى تحسين، بالإضافة إلى ضرورة تقنية إف إم آر آي ما يحدث من تطبيقها في الحياة اليومية.

تلك التجارب انتقلت من معامل الجامعات إلى الهواتف الذكية التي باتت بإمكانها تحليل الأنماط السلوكية والتنبؤ بالأفكار أو الاحتياجات بناء على البيانات المتاحة،  فـ"فيس بوك" مثلًا لا يحتاج إلى قراءة إشارات دماغك مباشرة ليعرف ما تفكر فيه، بدلا من ذلك يستخدم خوارزميات ذكاء اصطناعي تعتمد على تحليل بياناتك السابقة وتفاعلاتك لتوقع احتياجاتك المستقبلية.

كيف يمكن للتقنيات الحالية التنبؤ بما نفكر فيه؟

أولًا: عندما تتصفح الإنترنت يترك سلوكك "بصمة رقمية" مثل المواقع التي تزورها، المنتجات التي تبحث عنها والكلمات التي تستخدمها في محادثاتك، وباستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن توقع اهتماماتك استنادًا إلى بصمتك الرقمية.

ثانيًا، من خلال استخدام الميكروفون ورغم نفي الشركات الكبرى مثل فيس بوك أنها تستخدم سماعات الهواتف للاستماع إلى محادثاتك  لكن في النهاية يمكن للميكروفونات تفعيل ذلك دون علمك، أما ثالثًا فيكمن في الذكاء الاصطناعي التنبؤي  التي يمكنها تحليل بيانات السلوك والتنبؤ باحتياجاتك، هذا بالإضافة إلى البيانات البيومترية والتي تعني تقنيات تتبع العين وتحليل تعبيرات الوجه لإظهار اهتماماتك أو حالتك العاطفية في بعض الأحيان.

وفي المجمل يمكن القول ان سجل التصفح والتطبيقات المستخدمة والموقع الجغرافي بجانب الأسباب السابقة كلها عوامل تجعل الهواتف الذكية لديها تنبؤ بتصرفاتك المستقبلية وتقديم إعلانات تساعدك على تحقيق ذلك، لكن ماذا لو كان الأمر مجرد تفكير فقط؟، بمعنى أنك لم تستخدم كل ما سبق فهل تستطيع الهواتف قراءة تفكيرك.

 

تم نسخ الرابط