لقد أدركت معظم الدول ومنها مصر أهمية وجود تشريعات منظمة لحماية المستهلك، فاستحدثت قوانين حديثة وأجهزة رقابية تسعى لضبط الأسواق، إلا أن الواقع يكشف عن فجوة بين النص والتطبيق، وعن تحديات تفرض إعادة تقييم للأدوات القانونية والرقابية، خاصة في ظل المتغيرات العالمية وانكشاف الأسواق على سلاسل توريد مضطربة واقتصاديات كثيرة تحوم حولها المخاطر ، ومما لا شك فيه أن الغلاء بات العنوان الأبرز الذي يطغى على الأحاديث في الأسواق والمنازل، في ظل موجات متلاحقة من ارتفاع الأسعار طالت ضروريات الحياة لا كمالياتها، وضربت استقرار الأسرة وأرهقت أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة على السواء. ولا ريب أن هذا الوضع يفرض تساؤلا ملحًّا يتردد في ذهن المواطن من يحمي جيبي؟ وأين يقف القانون من تسونامي الأسعار؟ وهل لا تزال الدولة فاعلًا اقتصاديًّا يحمي المستهلك من جشع السوق وعشوائية العرض؟
ففى مصر صدر قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018 والذى يمثل نقلة نوعية في أوجه الرقابة، إذ وسّع من صلاحيات جهاز حماية المستهلك، وفرض عقوبات رادعة تصل إلى الحبس، وألزم الموردين بالإفصاح، والضمان، وحق الاسترجاع، ومجانية خدمات ما بعد البيع ،ولكن السوق المصرية، بكل تعقيداتها، لازالت تعانى من ضغوط الأسعار المتقلبة، وعشوائية التسعير التى ينتهجها محتكرى السلع والخدمات ، بحجة تفاوت جودة ، كما ان قلة عدد المفتشين ، وانتشار الأسواق غير الرسمية من أبرز التحديات التى تواجه تفعيل القانون ، أو تطبيقه كما يجب أن يكون .
وتذخر المنظومة التشريعية للدول العربية ، بالعديد من القوانين التى تحمى المستهلك ، فعلى سبيل المثال لا الحصر القانون رقم 35 لسنة 2012 بشأن حماية المستهلك بدولة البحرين ، والقانون الاتحادى رقم 15 لسنة 2020 بدولة الإمارات العربية المتحدة ، وغيرها من القوانين والتشريعات التى تضطلع بحماية المستهلك .
وعلى الرغم من وجود البيئة التشريعية والنصوص القانونية ، فإن التحدي الحقيقي في حماية جيب المواطن لا يكمن فقط في وجود نصوص قانونية، بل في القدرة على إنفاذها بفعالية، من خلال أجهزة رقابية مدربة، وقضاء سريع، وتعاون تشريعي إقليمي. ولعل الخطوة القادمة تتمثل في توحيد جهود الدول العربية لتبني ميثاق عربي موحد لحماية المستهلك، يضمن الحد الأدنى من الحقوق، ويضع آليات متابعة إلكترونية عابرة للحدود.
كما نقترح تعزيز مفهوم الرقابة الشعبية القانونية، من خلال تمكين المستهلكين من تقديم الشكاوى عبر التطبيقات، وتفعيل جمعيات حماية المستهلك، ومنحها صفة الضبطية أو الرقابة المجتمعية، بالتعاون مع الجهات الحكومية.