3 احتمالات رئيسية.. لماذا يعود “التهجير الفلسطيني” إلى الواجهة؟

أعادت القناة 12 الإسرائيلية، القريبة من الحكومة، طرح قضية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة من خلال تقرير كشفت فيه عن اتصالات تجريها تل أبيب مع أربع دول هي ليبيا، أوغندا، جنوب السودان، وإندونيسيا، إضافة إلى إقليم أرض الصومال. وأشارت القناة إلى أن بعض هذه الأطراف أبدت انفتاحاً على مناقشة الفكرة.
ووفقًا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، هذا الطرح، يتزامن مع واقع ميداني معقد في غزة، ومع رفض مصري ثابت لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين سواء إلى سيناء أو إلى خارج المنطقة. عودة الحديث عن التهجير في هذا التوقيت تفرض سؤالاً محورياً: ما الذي يدفع إسرائيل لإحياء هذه الفكرة رغم المعارضة الصريحة لها؟
مقترحات سابقة:
أخذ مشروع التهجير عدة مراحل. يمكن رصدها كالتالي:
(*) خطة ترامب: مع وصول الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض، صرح خلال لقائه بملك الأردن أنه يدرس نقل مليون فلسطيني من غزة إلى مصر والأردن. لكن رد القاهرة وعمان كان حاسماً بالرفض، مؤكدين أن هذه الفكرة تهدد استقرار المنطقة وتقضي على أي فرصة لتحقيق السلام.
(*) ليبيا: تكررت الأنباء عن مشاورات مع ليبيا بشأن استقبال الفلسطينيين. ففي مارس الماضي تحدثت تقارير إعلامية عن استعداد مزعوم من طرابلس، ثم ظهرت في مايو رواية جديدة نشرتها قناة “إن بي سي نيوز” عن مفاوضات بين إدارة ترامب وليبيا للإفراج عن أموال مجمدة مقابل استقبال لاجئين من غزة. لكن السفارة الأمريكية في ليبيا ووزارة الخارجية الأمريكية نفتا تلك المزاعم. ورغم ذلك، يرى بعض الباحثين أن حكومة الوحدة في طرابلس قد تكون مستعدة لتقديم تنازلات سياسية للبقاء في السلطة.
(*) أرض الصومال: أرض الصومال، التي تسعى للاعتراف الدولي بعد توقيع مذكرة تفاهم مع إثيوبيا أوائل 2024، طُرحت كأحد الخيارات. تقارير إسرائيلية تحدثت عن نقاشات بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو بخصوص تهجير فلسطينيين إليها. لكن خبراء صوماليين شككوا في صحة هذه المعلومات، فيما أكد السفير الصومالي في واشنطن رفض بلاده لأي محاولة لشرعنة انفصال الإقليم أو استخدامه كوجهة للتهجير.
(*) إندونيسيا: في خضم الحرب على غزة ظهرت تكهنات عن نقل فلسطينيين إلى إندونيسيا. لكن الشارع الإندونيسي عبر بقوة عن تضامنه مع غزة عبر مظاهرات وحملات دعم، فيما عملت منظمات محلية مثل هيئة الزكاة الوطنية على تنظيم مبادرات إنسانية واسعة، وهو ما جعل الخطة غير واقعية.
مواقف الدول المستهدفة:
(-) جنوب السودان: نفت الخارجية رسمياً أي مباحثات، لكن تقريراً لوكالة “أسوشيتد برس” نقل عن ستة مصادر أن اتصالات جرت بالفعل مع إسرائيل.
(-) ليبيا: السفارة الأمريكية في طرابلس نفت وجود خطة لتهجير فلسطينيين إلى ليبيا، مؤكدة أن هذه الأخبار لا أساس لها.
(-) أرض الصومال: وزير خارجية الإقليم صرح بأنهم “منفتحون على أي نقاش”، لكنه ربط ذلك بإنشاء علاقات دبلوماسية رسمية مع الدول المعنية. تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن الإقليم لا يمانع من حيث المبدأ.
(*) إندونيسيا: الخارجية الإندونيسية نفت تماماً وجود أي اتصالات، واعتبرت التهجير غير مقبول لأنه يكرس الاحتلال الإسرائيلي.
أسباب إعادة طرح الفكرة:
يمكن تفسير عودة الحديث عن التهجير بثلاثة احتمالات رئيسية:
- اختبار ردود الفعل الدولية: تل أبيب تستخدم التسريبات الإعلامية لجس نبض المجتمع الدولي. فتكرار النفي من الدول المعنية يعكس أن إسرائيل تراقب المواقف وتعيد حساباتها باستمرار.
- رسالة إلى الدول الرافضة: عودة مشروع التهجير للواجهة هدف، هو التأكيد أن التهجير بالنسبة لإسرائيل خيار استراتيجي لن تتراجع عنه. بالتالي تحاول إسرائيل الضغط على الدول الرافضة لتشعر أن هناك بدائل مطروحة، وأن الخطة قد تنفذ عاجلاً أو آجلاً.
- إيجاد بدائل في ظل الفشل: تعذر تنفيذ المخطط في سيناء بسبب الموقف المصري الفوى الرافضة لفكرة التهجير من الأصل، جعل من إسرائيل أن تطرح بدائل في إفريقيا أو آسيا، بهدف أن تضمن استمرار مشروعها لتصفية القضية الفلسطينية.
في النهاية، يمكن القول إن إعادة طرح فكرة التهجير ليست مجرد تقارير إعلامية عابرة، بل تعكس مشروعاً استراتيجياً إسرائيلياً يتبناه التيار اليميني المتطرف بزعامة نتنياهو. هذا المشروع يسعى لفرض واقع جديد يمهد لرؤية “إسرائيل الكبرى”، ويعتبر تهجير الفلسطينيين من غزة نقطة البداية. ورغم الرفض المصري والإقليمي والدولي المتكرر، فإن تل أبيب ستواصل البحث عن ثغرات لتمرير هذا المخطط، ما يجعل المواجهة معه أحد أخطر التحديات الراهنة للقضية الفلسطينية.