3 سيناريوهات مستقبلية.. ما دلالات توقيت انعقاد القمة المصرية – السعودية؟

تعتبر العلاقات المصرية – السعودية ركيزة أساسية في بناء النظام الإقليمي العربي، حيث تجمع بينهما مصالح استراتيجية تتجاوز البعد الثنائي لتشمل مختلف القضايا الإقليمية. فكلما واجهت المنطقة العربية تحديات كبرى، برز دور القاهرة والرياض في محاولة صياغة موقف مشترك يوازن بين مقتضيات السياسة وأولويات الأمن القومي.
ووفقًا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، تأتي زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السعودية في أغسطس 2025 كترجمة واضحة لهذه العلاقة، خصوصًا أنها تزامنت مع تصاعد الحرب في غزة وما خلفته من كوارث إنسانية، ومع تزايد المخاطر الأمنية في البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين، فضلًا عن استمرار حالة عدم الاستقرار في عدة ساحات عربية. لذلك فإن هذه الزيارة لا يمكن قراءتها باعتبارها حدثًا بروتوكوليًا، بل باعتبارها محطة استراتيجية تحمل دلالات على مستوى السياسة، الأمن، الاقتصاد، وإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.
البعد السياسي والأمني:
تمثل القضايا السياسية والأمنية المحور الأكثر أهمية في القمة المصرية–السعودية، إذ أدرك الطرفان أن استمرار حالة الانقسام العربي يفتح الباب أمام تدخلات خارجية ويضعف قدرة المنطقة على مواجهة الأزمات. ومن ثم كان التركيز في اللقاء على الملفات التي تهدد الاستقرار العربي بشكل مباشر. ويمكن التطرق إلى هذا البعد، كالتالي:
(*) توحيد المواقف تجاه حرب غزة: جاءت حرب غزة المستمرة لتؤكد ضرورة بناء موقف عربي مشترك، خصوصًا بعد أن حاولت بعض القوى الإقليمية والدولية استغلال الصراع لفرض تسويات لا تراعي الحقوق الفلسطينية. وقد أكدت القاهرة والرياض بوضوح رفضهما القاطع لمخططات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، باعتبار ذلك خطًا أحمر يمس الأمن القومي المصري والسعودي والعربي على السواء. كما شدد الجانبان على أن التسوية السياسية العادلة لا يمكن أن تتم إلا عبر حل الدولتين، وفق مرجعيات الشرعية الدولية وحدود الرابع من يونيو 1967. وإلى جانب الموقف السياسي، حرصت مصر على التأكيد على دورها كوسيط رئيسي في جهود التهدئة، وهو ما لقي دعمًا سعوديًا على المستويين المالي والسياسي. هذه المواقف عززت الانطباع بأن القاهرة والرياض تتحركان معًا للحفاظ على وحدة الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية.
(*) معالجة أزمات المنطقة العربية: لم تقتصر المباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على ملف غزة، بل امتدت لتشمل طيفًا واسعًا من الأزمات العربية التي تهدد بنية الدولة الوطنية وتزيد من هشاشة النظام الإقليمي. فقد ناقش الجانبان الوضع في لبنان، حيث أبديا قلقًا من استمرار حالة الجمود السياسي والانهيار المالي، مؤكدين على أهمية دعم استقرار مؤسسات الدولة ومنع انزلاقها إلى الفوضى. أما في سوريا، فقد شددت القاهرة والرياض على ضرورة بلورة مقاربة عربية مشتركة لإعادة دمج دمشق تدريجيًا في النظام العربي، بما يوازن بين رفض التدخلات الأجنبية وضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل يضع حدًا للصراع. كما حظيت الأزمة في السودان باهتمام خاص، نظرًا لما تمثله الحرب الأهلية من تهديد مباشر للأمن الإقليمي، حيث أكّد الطرفان على أهمية الدفع نحو وقف إطلاق النار وتكثيف الجهود الإنسانية لحماية المدنيين. وفي ما يخص اليمن وليبيا، اتفق الجانبان على دعم المسارات السياسية التي تحفظ وحدة الدولتين وسيادتهما، ورفض أي مخططات للتقسيم تغذيها أطراف إقليمية أو دولية. ويكشف هذا التناول الشامل أن القمة المصرية–السعودية لم تركز فقط على التحديات الآنية، بل حاولت وضع إطار عام لمعالجة بؤر التوتر العربية وفق رؤية موحدة تعزز الاستقرار الإقليمي.
البعد الاقتصادي:
إلى جانب القضايا السياسية، جاء البعد الاقتصادي كركيزة أساسية في القمة، حيث أدركت القاهرة والرياض أن ضمان الاستقرار السياسي والأمني يتطلب قاعدة اقتصادية تقوم على التكامل والتعاون المشترك، يمكن التطرق إلى البعد الاقتصادي كالتالي:
(-) تفعيل مجلس التنسيق الأعلى: تم الاتفاق على تفعيل مجلس التنسيق الأعلى المصري–السعودي، ليكون بمثابة آلية مؤسسية لمتابعة الملفات الاقتصادية، وضمان استمرارية التعاون بعيدًا عن التغيرات الظرفية. ويُنتظر أن يلعب هذا المجلس دورًا في تسريع إنجاز المشروعات التنموية الكبرى التي تشارك فيها شركات من الجانبين.
(-) اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار: دخول الاتفاقية الثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار حيز التنفيذ يعكس التزام البلدين بتهيئة بيئة قانونية واستثمارية آمنة. هذه الخطوة تمثل رسالة طمأنة للمستثمرين، وتفتح المجال أمام تدفق أكبر لرؤوس الأموال، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، والنقل، والبنية التحتية.
(-) آفاق التعاون التنموي: ترتبط الأبعاد الاقتصادية أيضًا برؤية السعودية 2030 وجهود مصر في بناء اقتصاد متنوع ومستدام. ومن هنا برزت إمكانية التكامل بين مشروعات البحر الأحمر والمناطق الاقتصادية في كلا البلدين، وهو ما يعزز فكرة قيام شراكة تنموية عربية قادرة على مجابهة التحديات الاقتصادية العالمية.
الأمن الإقليمي وأمن البحر الأحمر:
يعتبر ملف الأمن الإقليمي جانبًا محوريًا من مباحثات القمة، لاسيما أن البحر الأحمر بات يشكل ساحة صراع مفتوحة تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري والسعودي، وعلى الاقتصاد العالمي.
(&) التهديدات الحوثية للملاحة الدولية: شهدت الأشهر الأخيرة تصاعد الهجمات الحوثية على السفن المرتبطة بإسرائيل أو تلك المتجهة إلى قناة السويس. هذه التهديدات لم تؤثر فقط على التجارة العالمية، بل انعكست أيضًا في انخفاض عائدات قناة السويس، ما شكل تحديًا اقتصاديًا لمصر وأثار قلقًا سعوديًا نظرًا لارتباط أمن البحر الأحمر بأمن المملكة.
(&) الدور المصري–السعودي: أدرك الطرفان أن مواجهة هذه التهديدات تتطلب تعاونًا أمنيًا وعسكريًا واستخباراتيًا، ليس فقط بشكل ثنائي، بل أيضًا من خلال تنسيق الجهود مع الأطراف الإقليمية والدولية. ومن هنا برزت الدعوة إلى تعزيز الأمن البحري العربي، مع الاستعداد للانخراط في مبادرات دولية لحماية الممرات المائية.
(&) الأمن القومي العربي الشامل: تطرح هذه التهديدات تساؤلًا أوسع حول مستقبل الأمن القومي العربي. وهنا تؤكد القمة أن مصر والسعودية تمثلان العمود الفقري لهذا الأمن، وأن التعاون بينهما يمكن أن يشكل الأساس لإعادة إحياء منظومة أمنية عربية جماعية تضع حدًا للتدخلات الخارجية وتعزز الاستقرار.
سيناريوهات مستقبلية:
هناك ٣ سيناريوهات لمسار التقارب المصري السعودي، يمكن التطرق لهم كالتالي:
(-) السيناريو الأول،- التقارب الاستراتيجي المعمق: قد يشهد تعميق التنسيق السياسي والاقتصادي بين القاهرة والرياض، مما يعزز مكانتهما كقطب إقليمي مؤثر.
(-) السيناريو الثاني،- التعاون المرن والمتوازن: يستمر التعاون لكن بمستويات متفاوتة حسب القضايا، مع أولوية للاقتصاد والملفات الإنسانية، وتباينات في بعض الملفات السياسية.
(-) السيناريو الثالث،- إعادة هيكلة النظام الإقليمي بزعامة مشتركة: يمكن لمصر والسعودية أن تقودا مبادرة لصياغة نظام عربي جديد يوازن بين القوى الإقليمية ويعزز الأمن الجماعي.
في النهاية يمكن القول، أثبتت القمة المصرية– السعودية في نيوم أن البلدين يتحركان وفق رؤية استراتيجية شاملة تتجاوز التعامل مع الأزمات الراهنة إلى وضع أسس جديدة لشراكة طويلة الأمد. فقد أكدت الزيارة أن القاهرة والرياض ليستا مجرد فاعلين منفردين في النظام الإقليمي، بل هما ركيزتان رئيسيتان يمكنهما إعادة رسم معالم التوازن العربي والإقليمي في مواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية.