لم يكن الغناء يوماً سوى صعود بالنفس إلى ما هو أرقى من تفاصيل الحياة اليومية. لكن ما جرى مع شيرين عبد الوهاب – صاحبة الحنجرة التى لطالما طوفنا حولها – ليس سوى انحدارٍ مأساوي من منصات الغناء إلى أروقة محاكم وأقسام الشرطة. تحولت الحكاية بينها وبين حسام حبيب إلى مسلسل طويل، سريالي، يختلط فيه الحب بالبلاغات، والكلام المعسول بالاتهامات، حتى صارت مادة للتندر، بعدما ملّ الرأي العام مشاهد التكرار.
نحن أمام علاقة لا تشبه قصص الحب التي ألهمت الشعراء والمبدعين، بل أقرب إلى درس اجتماعي في كيف تتحول المشاعر إلى قيد خانق، وكيف يُبتلع الحاضر والموهبة داخل طاحونة نزاع لا ينتهي. علاقة سامة، مشحونة، صاخبة، صارت نموذجاً لعلاقات مضطربة وشاذة، حيث تتبادل الأطراف مواقع الاتهام والبراءة على الملأ، في فضيحة مفتوحة أمام ملايين العيون.
المؤسف أن الفن غاب تمامًا عن المشهد. غابت شيرين الفنانة التي كانت تُلهب المسارح وتملأ الاستديوهات ألقاً، وحضرت شيرين الزوجة المتنازعة، الباكية، المتهمة، المدافعة. بدت الساحة الفنية وكأنها فقدت واحدة من أعذب أصواتها، بينما بقيت الجماهير أسيرة فضائح لا تضيف شيئًا سوى المزيد من الأسى على صورة فنانة كنا ننتظر منها ألبومات لا محاضر شرطة.
لقد تحولت القصة إلى مرآة عاكسة لأزمة أكبر ؛كيف تستهلك الشهرة والميديا حياة الفنان، حتى تصبح حياته الخاصة مشروعًا للتداول العام، يتصدر العناوين يومًا بعد يوم، ويُختزل في صراع شخصي بدل أن يكون ملهمًا لإبداع. وفي قلب هذه الدوامة، بدا أن شيرين نفسها فقدت البوصلة: أيهما أولى؟ أن تستعيد صوتها وفنها ومكانتها، أم أن تظل أسيرة دائرة مفرغة من شد وجذب مع رجل لم يجلب لها سوى العواصف واسقطته هى فى بحر من الفضائح؟!
اليوم، والرأي العام يتابع أخبار عودتهما أو انفصالهما للمرة الألف، لم يعد ثمة شغف ولا فضول. صارت الحكاية كالمسلسل الرديء الذي طال أكثر مما ينبغي. لقد أُنهك الجمهور، وفقدت شيرين جزءًا من رصيدها الإنساني والفني، وهي تدفع ثمنًا باهظًا لعلاقة لم تمنحها سوى مزيد من العناوين السوداء.
ولعل الدرس الأهم هنا أن الفنان الذي يترك موهبته لتذوب في أزمات شخصية، إنما يفرط في رسالته، ويهدر هبة استثنائية منحها الله له. شيرين اليوم مدعوة لأن تعود إلى ما خلقت له . الغناء. أن تترك ساحات النيابة لتعود إلى خشبة المسرح. فالفن أعظم من كل نزاع، وهو وحده الكفيل بأن يخلّد صاحبته، بعيدًا عن دوامة علاقات سامة لا تشبع إلا شهية السوشيال ميديا.