حديث «فتنة تدع الحليم حيرانًا».. معناه وكيفية النجاة من الفتن

يتساءل الكثيرون عن حديث: «فتنة تدع الحليم حيرانًا»، حيث يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: ما ترك لنا رسول الله ﷺ طريقًا يقرّبنا من رضا الله والجنة إلا دلّنا عليه، ولا طريقًا يبعدنا عن الله والنار إلا حذّرنا منه.
حديث: «فتنة تدع الحليم حيرانًا»
وتابع علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: مع ذلك نعيش اليوم في زمنٍ كثرت فيه الفتن حتى وصفها النبي ﷺ بقوله: «فتنة تدع الحليم حيرانًا» [رواه الترمذي]. فهي فتن متلاحقة، كلما خرج الناس من واحدة دخلوا في أخرى، حتى يظل العاقل متحيّرًا لا يعرف أولها من آخرها.
وبين: مع تتبع أسباب هذا الفساد نجد أن " الإنجاز قد سبق الأخلاق والقيم, والنشاط قد سبق الفكر والتدبر, والمصلحة قد سبقت الشريعة, والمنفعة واللذات قد سبقت عبادة الله"، فصار الناس ثلاثة أصناف: فاجر قوي ، وعاجز تقي، ومؤمن قوي وفيّ.
وأضاف علي جمعة: الناس اليوم يُعجبون بالفاجر القوي لأنه "منجز"، ويتغاضون عن فساده لأنه حقق نجاحًا دنيويًا. بينما يُهملون العاجز التقي، مع أن عنده خيرًا بتقواه. وهكذا اختلطت الموازين، وارتبك الحكم على الناس.
واستطرد: لكن التربية النبوية تعلمنا ميزانًا آخر؛ قال رسول الله ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» [رواه مسلم]. فالمؤمن الضعيف فيه خير، لكن الخير في من يجمع القوة والتقوى. والقوة هنا ليست قوة الجسد فقط، بل قوة الإيمان، والعلم، والعزيمة، والعمل، مع التقوى والوفاء لله. أما الفاجر القوي، فمهما بهر الناس بإنجازه، فلا وزن له عند الله، لأنه قدّم الدنيا على الدين، والمصلحة على الشريعة.
وقد قصّ الله علينا في القرآن قصة قوم عاد مع نبيهم هود عليه السلام، ليبين خطورة هذا الانحراف؛ فقد أرادوا القوة المادية وحدها، فقالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، بينما دعاهم هود إلى أن تكون قوتهم مقرونة بالتقوى والإيمان، لكنهم أعرضوا فهلكوا. والسبب أنهم جعلوا الإنجاز بلا قيم، والقوة بلا تقوى.
وشدد عضو هيئة كبار العلماء: العبرة لنا اليوم: الله لا يحب أن يتقدّم الفاجر القوي على العاجز التقي، ولا أن يستمر التقي في عجزه وضعفه، بل المطلوب أن يجمع المؤمن بين "القوة والتقوى"؛ قوة في العمل، وعلم، وإنتاج، مع تقوى تحفظ القلوب وتزكي النفوس. فـ "القوة بلا قيم فساد وخراب، والتقوى بلا قوة عجز وضعف، أما القوة مع التقوى فهي البناء والعمران، وهي طريق نهضة الأمة وصلاح المجتمعات".