عاجل

دار الإفتاء: ترويع الإنسان ولو على سبيل الدعابة والمزاح محرم شرعا

المزاح في الاسلام
المزاح في الاسلام

في ظل انتشار بعض أشكال المزاح التي قد تتضمن ترويع الآخرين، يكثر التساؤل حول الحدود الشرعية لهذا النوع من الدعابة .. فهل يجوز تخويف المسلم حتى لو كان الأمر من باب المزاح؟ .. وما موقف الشريعة الإسلامية من هذا السلوك؟.

النظرة الشرعية للمزاح

الإسلام دين يحث على التراحم والتآخي بين الناس، وقد كان النبي محمد ﷺ، يمزح مع أصحابه، لكنه لم يكن يقول إلا حقًا. وهذا يدل على أن المزاح في الإسلام مشروع بشرط ألا يتضمن كذبًا أو أذى. لكن عندما يتحول المزاح إلى ترويع وإخافة الآخرين، يصبح الأمر مختلفًا.

تحريم الترويع في الإسلام

يستند العلماء في رفضهم لهذا السلوك إلى عدة أدلة من السنة النبوية، منها حديث النبي ﷺ:" لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا" (رواه أبو داود). 

ويُفهم من هذا الحديث أن الترويع، حتى لو لم يكن جديًا، محرم شرعًا، لأنه قد يسبب خوفًا وقلقًا نفسيًا لدى الشخص المستهدف. كما أن بعض أشكال المزاح قد تؤدي إلى عواقب غير متوقعة، مثل الأذى الجسدي أو الصدمات النفسية.

مخاطر المزاح المؤذي

في العصر الحالي، انتشرت بعض المقالب التي تعتمد على إخافة الأشخاص، سواء في الواقع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تصوير ردود أفعال الضحايا ونشرها للضحك. 

ورغم أن البعض يراها مجرد تسلية، إلا أنها قد تؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة، خاصة لمن يعانون من أمراض القلب أو القلق. كما أن هذا النوع من المزاح قد يسبب توترًا في العلاقات الاجتماعية، حيث يشعر بعض الأشخاص بالإهانة أو الإحراج

ضوابط المزاح في الإسلام

المزاح من الأمور الفطرية التي يميل إليها الإنسان، وقد كان النبي ﷺ، يمزح مع أصحابه وأهل بيته، لكنه كان يلتزم بضوابط شرعية تحافظ على الاحترام وتمنع الأذى. لذلك، وضع الإسلام قواعد واضحة للمزاح، ليبقى وسيلة للترويح عن النفس دون أن يتحول إلى إساءة أو تعدٍّ على الآخرين. وفيما يلي أهم الضوابط التي يجب مراعاتها عند المزاح:

1. أن يكون صادقًا وخاليًا من الكذب

يجب أن يكون المزاح قائمًا على الصدق، وألا يتضمن الكذب لخداع الآخرين. فقد قال النبي ﷺ: “ويلٌ للذي يُحدّث فيكذب ليُضحك به القوم، ويلٌ له، ثم ويلٌ له” (رواه أبو داود والترمذي). ويشمل ذلك التلاعب بالمعلومات أو الادعاء بأمور غير صحيحة لمجرد الضحك.

2. ألا يكون فيه ترويع أو تخويف

الترويع منهي عنه في الإسلام، حتى لو كان بقصد المزاح. فقد قال النبي ﷺ: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا” (رواه أبو داود). وهذا يشمل المزاح الذي يعتمد على إخافة الآخرين، مثل المقالب التي تسبب الذعر أو الصدمات النفسية.

3. ألا يكون فيه سخرية أو استهزاء بالآخرين

يجب أن يكون المزاح محترمًا ولا يتضمن استهزاءً أو تقليلًا من شأن الآخرين. قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ” (الحجرات: 11). فالسخرية قد تؤذي مشاعر الآخرين وتؤدي إلى العداوة والبغضاء.

4. ألا يكون فيه أذى جسدي أو نفسي

المزاح يجب ألا يتسبب في إيذاء أحد، سواء جسديًا أو نفسيًا. بعض أشكال المزاح قد تؤدي إلى الإحراج أو الحرج الشديد، وهو أمر غير مقبول في الإسلام. فقد قال النبي ﷺ: “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” (رواه مسلم).

5. أن يكون في حدود الاعتدال

المبالغة في المزاح قد تؤدي إلى فقدان الاحترام والهيبة، كما قد تشغل الإنسان عن الأمور الجادة في حياته. ولذلك، نصح العلماء بالاعتدال في المزاح، وألا يتحول إلى عادة دائمة تؤثر على جدية الشخص أو احترامه بين الناس.

6. ألا يكون في أمور الدين أو الموت أو المصائب

المزاح في الأمور الدينية، مثل الاستهزاء بالعبادات أو الأحكام الشرعية، أمر محرم. قال الله تعالى: “وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ” (التوبة: 65). كما أن المزاح حول الموت أو المصائب قد يجرح مشاعر الآخرين.

7. أن يكون فيه احترام لمكانة الشخص والموقف

يجب أن يكون المزاح متناسبًا مع الشخص والموقف. فليس كل المواقف تصلح للمزاح، فهناك أوقات تحتاج إلى الجدية، مثل المجالس العلمية أو المواقف الرسمية. كما أن المزاح مع الكبار أو أهل الفضل يجب أن يكون باحترام.

تم نسخ الرابط