عاجل

ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة: الإسلام يجمع بين صلاح الفرد والمجتمع

ملتقى الجامع الأزهر
ملتقى الجامع الأزهر

عقد الجامع الأزهر أمس الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان "التكافل الاجتماعي في الإسلام"، وذلك بحضور كل من؛ أ.د سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، وأ.د مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة، وأدار الملتقى أ.د عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري.

ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة: الإسلام يجمع بين صلاح الفرد والمجتمع

في مستهل كلمته أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، على أن الإسلام دين متوازن، يجمع بين صلاح الفرد وصلاح المجتمع، من خلال التزام المسلم بالعبادات البدنية كالصلاة والصيام بجانب قيامه  بواجبه المجتمعي تجاه محيطه وجيرانه، لأن تعاليم الإسلام لا يطغى فيه جانب على آخر، وهذا التوازن هو جوهر المسؤولية الاجتماعية في الإسلام، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع بجانبه"، وهو ما يظهر أن الإيمان الحقيقي يظهر في العطاء والتكافل والمساندة، بحيث لا يكتمل إيمان المسلم ما لم يستشعر حاجة أخيه ويشارك في سدها، مبينا أن التكافل المجتمعي لا يقتصر أثره على سد حاجات الفقراء والمحتاجين، بل يتجاوز ذلك ليؤدي دورًا محوريًا في تطهير المجتمع من الأمراض الاجتماعية، بحيث يزيل جذور البغضاء والشحناء التي تنشأ من الفروق المجتمعية والطبقية، كما يقضي على الحقد الذي ينميه الشعور بالحرمان.

وأوضح رئيس جامعة أن نفس الفقير دائمًا تتطلع إلى من هو أكثر حظًا، وهذا التطلع يمكن أن يتحول إلى شعور بالمرارة إذا لم يجد من يمد يد العون. ولهذا، فإن شعور الأغنياء بحاجة الفقراء وآلامهم هو المفتاح الذي يملأ نفوسهم بالسلام والطمأنينة، ويطرد منها مشاعر الحقد والبغضاء، لأن الفقر "قنبلة موقوتة" مالم يتم احتواؤها من خلال التكافل المجتمعي سيؤدي ذلك إلى آثار مدمرة على المجتمع بأسره، لهذا فإن المجتمعات الناجحة هي تلك التي تولي اهتمامًا خاصًا بالفقراء، وتعمل على تحويل طاقتهم السلبية إلى طاقة إيجابية منتجة ومساهمة في بناء المجتمع، لهذا قال الخليفة الراشد أبي بكر الصديق عندما تولى الخلافة في خطبته الشهيرة: "الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه"، هذه العبارة تبين أن الأمم التي تعطي الأولوية لضعفائها وتحمي حقوقهم هي الأمم المتقدمة والمتحضرة حقًا، لأنها تدرك أن قوة المجتمع تقاس بمدى رعايته لأضعف أفراده.

وبين رئيس جامعة الأزهر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمد النصر والعون بالضعفاء قال صلى الله عليه وسلم: " إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم"، حيث يؤكد هذا الحديث المنزلة الكبيرة للضعفاء عند الله سبحانه وتعالى، هذه المنزلة التي بينتها منجاة النبي صلى الله عليه وسلم للحق سبحانه وتعالى (وأنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟)، كما أن النبي نفسه نشأ يتيمًا ضعيفًا، وهو ما جعله يشعر بهم ويُعلي من شأنهم، حتى قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، في إشارة إلى منزلة كافل اليتيم ورفقته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التخصيص للمستضعفين يأتي لأن الله قريب من المنكسرة قلوبهم، مبينا أن النبي صلى الله عليه نشأ يتيمًا ضعيفًا، وهو ما جعله يشعر بهم، حتى قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، في إشارة إلى منزلة كافل اليتيم ومرافقته للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما أشار فضيلته إلى الموقف الذي جسد هذه القيم بشكل كامل، عندما عاد النبي صلى الله عليه وسلم خائفًا من غار حراء، فواسته زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها بقولها: "والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"، هذه الكلمات التي جاءت على لسان السيدة خديجة أرست المبادئ الأساسية للتكافل.

وذكر رئيس جامعة الأزهر أن انشغال الإنسان بخدمة من حوله سواء من ذوي القربي أو ممن هم حوله من أبناء المجتمع، هو ما يجعله فاعلًا ومميزًا، وهو ما أكد عليه قول الحق سبحانه وتعالى: " فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ"، لأن الانشغال بهذه المعاني والمبادئ الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، هو السبيل للفوز برضا الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته، لأن ديننا دين متكامل ومتوازن.  

من جانبه أكد الدكتور مجدي عبد الغفار أن التكافل الاجتماعي والإنساني له أهمية عظيمة، ولذلك وردت النصوص القرآنية لتؤكد عليه، لهذا قال الحق سبحانه وتعالى: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ" مشيرًا إلى أن قوله تعالى "فَآوَىٰ" يدل على الإطلاق وليس إيواء للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، ليشمل كل من يقوم بهذا العمل الإنساني العظيم، لأن التكافل المجتمعي جاء بأمر إلهي من "ملك الملوك" سبحانه وتعالى، لهذا فإن المجتمع الأمثل هو المجتمع الذي يراعي مبدأ التكافل والتعاون وهو ما يظهره قول الحق سبحانه وتعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".

وأضاف الدكتور مجدي عبد الغفار، أن التكافل بين المجتمعات وما يقدم من إعانة للمجتمع أو الدولة المغتصب حقها، يعد أمرًا بالغ الأهمية، مشيرًا إلى أن حال المجتمع المتقدم يتجلى في خلوه من شكوى الفقير والضعيف، وذلك بفضل التكافل النابع من الأخوة الإنسانية التي تهدف إلى مساندة الضعفاء، ويبلغ هذا التكافل أسمى صوره في كفالة طالب العلم، لهذا قال بعض العلماء "كفالة طالب العالم أولى من كفالة اليتيم غير المتعلم" لأنه بالعلم تنهض الأمم وتتحرر من الجهل، مما يضمن لها التقدم والازدهار.

كمال أوضح الدكتور عبد المنعم فؤاد، أن الإسلام دعا إلى التكافل الاجتماعي والإنساني في كل جوانب الحياة، وقد مدح القرآن الكريم من يقوم بهذا الفعل قال تعالى: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"، مما يؤكد أن جزءًا من مال الغني هو حق للفقراء والمحتاجين، كما بين النبي ﷺ فضل الصدقة وأنها لا تنقص المال، بل تزيده بركة ونماء، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة"، لأن المال الذي تؤخذ منه الصدقة، يزداد بركة،  وجاء مبدأ التكافل المجتمعي ليؤكد أن الإسلام لا يعرف لغة المصالح الضيقة، وإنما ينظر إلى لغة الأخوة الإنسانية، والتي بها تبنى المجتمعات وترتقي.

تم نسخ الرابط