في خطوة تكشف مجددا الوجه الحقيقي للآلة العسكرية الإسرائيلية، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي استئناف عدوانها على قطاع غزة، متجاهلة كل النداءات الدولية والمبادرات الرامية إلى تثبيت التهدئة وإفساح المجال أمام جهود الإعمار ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في انتهاك صارخ للقانون الدولي وحقوق الإنسان، و محاولة مكشوفة لتعطيل مشاريع إعادة البناء وفرض واقع جديد يتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ويعيد طرح مخططات التهجير القسري التي رفضها الفلسطينيون مرارا وتكرارا.
منذ عقود، تستند الشرعية الدولية إلى مبادئ واضحة لا تقبل التأويل وهي حماية المدنيين، تجريم العدوان، وضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها ومع ذلك، تواصل إسرائيل انتهاك هذه القواعد دون رادع، وكأنها كيان فوق القانون، محصن بغطاء سياسي من القوى الكبرى و ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد استئناف لعدوان عسكري، بل هو تأكيد على أن إسرائيل ترى نفسها خارج إطار أي التزام دولي، في ظل صمت أو تواطؤ دولي يفتح الباب لمزيد من الجرائم.
لقد نصت اتفاقيات جنيف بوضوح على حماية المدنيين أثناء النزاعات، كما أكدت قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة مرارا على عدم مشروعية العدوان الإسرائيلي، لكن إسرائيل تستمر في سياساتها الاستيطانية والعسكرية دون أن تواجه عقوبات فعلية والأسوأ من ذلك، أن الدول التي تتغنى بحقوق الإنسان تكتفي بالإدانة الشكلية، في حين تمارس ازدواجية المعايير حينما يتعلق الأمر بفلسطين.
في كل جولة عدوان إسرائيلية، تتكرر نفس المأساة آلاف الشهداء والجرحى، دمار هائل للبنية التحتية، وتشريد عشرات الآلاف من الأسر وبعد كل ذلك، وعندما تبدأ محاولات الترميم والبناء، تعود آلة الحرب الإسرائيلية لتعصف بكل شيء ، الامر ليس مجرد صدفة أو تطور عسكري عابر، بل هو استراتيجية ممنهجة تهدف إلى إبقاء القطاع في حالة دمار دائم، وحرمان الفلسطينيين من مقومات الحياة المستقرة وإسرائيل تدرك أن إعادة الإعمار ليست مجرد عمليات بناء، بل هي تأكيد على صمود الشعب الفلسطيني، وتعزيز لمشروعية وجوده على أرضه ولهذا، فإنها تعمل بكل الطرق لإفشال هذه الجهود، سواء عبر فرض قيود على دخول مواد البناء، أو استهداف المناطق التي يجري إعادة تأهيلها، أو عبر الضغوط الدبلوماسية على الدول والجهات الداعمة لإعادة الإعمار.
منذ نكبة 1948، لم تتوقف محاولات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين وطمس هويتهم الوطنية واليوم، في ظل التصعيد العسكري الجديد، تتجدد المخاوف من أن إسرائيل تسعى إلى استغلال الحرب لفرض واقع ديموغرافي جديد، عبر دفع سكان غزة نحو الهجرة القسرية، سواء داخل القطاع أو خارجه والحديث عن إقامة مناطق "آمنة" داخل غزة، أو فتح معابر لخروج المدنيين، ليس سوى غطاء سياسي لمحاولة تهجير السكان، وهو أمر يرفضه الفلسطينيون بشدة، ويعتبرونه امتدادا لمخططات التهجير التي فشلت عبر العقود الماضية فغزة، رغم الحصار والحروب، بقيت صامدة، وشعبها متمسك بأرضه، مدركا أن البقاء في الوطن هو أقوى رد على العدوان.
في ظل هذه الجرائم، يطرح السؤال نفسه: أين المجتمع الدولي؟ ولماذا تقف المؤسسات الدولية عاجزة عن وقف هذه الانتهاكات؟ الحقيقة أن العالم اليوم يشهد تحولا خطيرا في النظام الدولي، حيث لم تعد القوانين الدولية كافية لردع الدول التي تمتلك القوة والدعم السياسي و استمرار الصمت الدولي لا يعني فقط التواطؤ مع الاحتلال، بل هو بمثابة ضوء أخضر لمزيد من الحروب والدمار، وهو ما يتطلب تحركا حقيقيا من الدول العربية والإسلامية، ومن كل القوى المؤمنة بالعدالة والحق.
وفي مواجهة هذه السياسات العدوانية، لا يملك الفلسطينيون خيارا سوى الصمود والمقاومة، بكل أشكالها المشروعة وقد أثبتت التجربة أن كل محاولات تركيع الشعب الفلسطيني باءت بالفشل، وأن غزة، رغم جراحها، ستظل شوكة في حلق الاحتلال ، والمطلوب اليوم ليس فقط الدعم السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية، بل تحركات جادة على الأرض، سواء عبر الضغط الدولي لوقف العدوان، أو عبر تعزيز صمود الفلسطينيين ودعم جهود الإعمار، ورفض كل محاولات التهجير والتصفية.
في الختام ... إن استئناف الحرب على غزة ليس مجرد تصعيد عسكري، بل هو جزء من مخطط إسرائيلي أوسع يستهدف مستقبل القضية الفلسطينية لكن، كما أثبت التاريخ، فإن إرادة الشعوب لا تهزم بالقوة، والمقاومة ستظل السبيل الوحيد لانتزاع الحقوق المسلوبة ومهما اشتدت العواصف، ستبقى فلسطين حرة، ويبقى شعبها ثابتا على أرضه، يقاوم الظلم، ويتمسك بحقه في الحياة والكرامة والاستقلال.