ما تداعيات رفض “جاباروف” مقترح تعدد الزوجات في قيرغيزستان؟

في منتصف أغسطس الجاري، أعاد رئيس قيرغيزستان صدر جباروف، مشروع قانون يلغي المسؤولية الجنائية عن تعدد الزوجات إلى برلمان بلده، موضحًا أسباب اعتراضه عليه.
يذكر أن مشروع القانون المقدم من البرلمان القيرغيزي، يهدف إلى إلغاء المسؤولية الجنائية عن ممارسة تعدد الزوجات. فقد رافضوا مشروع القانون أن هذه الممارسات تتعارض مع كرامة النساء والفتيات، وتتناقض مع التزامات قيرغيزستان الدولية في مجال حقوق الإنسان. جاء هذا الموقف في أغسطس 2025، ليعيد النقاش حول قضية تعدد الزوجات، بعد أن ظلت محل جدل مستمر بين التيارات الإصلاحية، التي ترى في التجريم أداة لحماية المرأة، والتيارات المحافظة، التي تعتبره تدخلًا في الموروث الديني والثقافي.
ووفقًا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، ورغم الحظر القانوني بموجب المادة (176) من قانون العقوبات، فإن تعدد الزوجات لا يزال يمارس غالبًا في إطار زيجات دينية غير مسجّلة، مما يخلق فراغًا قانونيًا يضر بحقوق النساء والأطفال في النفقة، الإرث، وتوثيق النسب. ويعكس موقف الرئيس رفض إلغاء المسؤولية الجنائية عن تلك الممارسات، وهو توجّه الدولة للحفاظ على الإطار القانوني القائم.
تأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى التطرق للتداعيات المحتملة لقرار رفض إلغاء المسؤولية الجنائية عن تعدد الزوجات من خلال تحليل آثارها القانونية والاجتماعية والسياسية، واستشراف انعكاساتها على إنفاذ القانون والرأي العام في حماية المرأة والأسرة، إضافة إلى تأثيرها على صورة قيرغيزستان الدولية والتزاماتها الحقوقية.
عوامل مؤثرة:
أصدر الرئيس جاباروف قرار رفض مشروع قانون إلغاء تجريم تعدد الزوجات استنادًا إلى توصيات أمين المظالم ومكتب المدعي العام، رغم موافقة البرلمان على مشروع القانون المقدم من النائبين “نورلانبيك أزبغالييف” و”ميدر سكارابيف”، والذي اقترح إلغاء المادة (176) من القانون الجنائي، التي كانت تجرم التزاوج بأكثر من زوجة.
وأعربت المحامية “تاتويويو إرجيشبابيفا” عن دعمها الكامل لرئيس الحكومة، معتبرة أن إعادة مشروع القانون إلى البرلمان قرار صائب، خاصةً أن القانون المقترح يتضمن تعديلات عدة مثل استبدال العقوبة بالكفالة، أو تخفيف العقوبة في ظروف استثنائية.
يشير الرفض أيضًا إلى أن إلغاء التجريم قد يعرض النظام القانوني للخطر ويهمش دور المرأة، ويضعف حماية حقوق النساء والأطفال، وهو ما يثير انتقادات من المنظمات الدولية. كما أن التزام قيرغيزستان بالاتفاقيات الدولية مثل القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، كان أحد الدوافع الأساسية لهذا القرار.
وعليه، حدث صراع بين الرئيس والبرلمان، ففي يونيو 2025، صوت البرلمان القيرغيزي (Jogorku Kenesh) لإلغاء المادة التي تجرّم تعدد الزوجات خلال جلسة سرية دون استشارات عامة، ثم أُرسل المشروع إلى الرئيس للموافقة عليه، إلا أن الأخير رفض القانون مؤكدًا أنه لا يتوافق مع الدستور ولا مع الالتزامات الدولية، مما يعكس وجود خلاف واضح بين السلطتين.
تأثيرات اجتماعية:
الأبعاد الاجتماعية لتعدد الزوجات في قيرغيزستان معقدة، إذ تتجاوز النصوص القانونية لتؤثر على بنية الأسرة، مكانة المرأة، واستقرار النسيج المجتمعي. بينما يرى بعض أنصار التعدد أنه مرتبط بالتقاليد أو وسيلة لتجاوز ضغوط اقتصادية واجتماعية، تكشف الشواهد الميدانية والتقارير الحقوقية عن جوانب سلبية تشمل زيادة النزاعات الأسرية، تفاقم معاناة النساء نفسيًا واجتماعيًا، وهشاشة الوضع القانوني للزوجات غير المعترف بهن رسميًا وأطفالهن.
وعلى الرغم من تجريم التعدد بالسجن لمدة عامين وفق القانون الجنائي، فقد أصبح هذا الفعل شائعًا علنًا، خاصة في المناطق الجنوبية التي تتميز بطابع إسلامي تقليدي. وتتمثل العوامل المؤثرة في مسار القرار كالتالي:
(*) شعبية تعدد الزوجات: رغم التجريم، تحظى فكرة التعدد بدرجة كبيرة من القبول أو التسامح داخل بعض قطاعات المجتمع. وفق أخصائية علم النفس “تاتيانا أرخيبوفا” من جامعة أوش، يُنظر إلى تعدد الزوجات كجزء من العقلية المحلية، ويعتبره كثير من الرجال والنساء أمرًا طبيعيًا مقارنة بالحقبة السوفيتية، حيث كان محظورًا. ومن هنا، يمثل موقف الرئيس حماية للمرأة والحفاظ على حقوقها.
(*) تأثير الوضع الاقتصادي: يلعب الوضع الاقتصادي دورًا محوريًا في انتشار التعدد، إذ يؤدي الفقر إلى زيادة اللجوء إلى هذه الممارسة، ويكون القضاء عليها دون تحسين مستويات المعيشة خطوة غير فعالة. كما يرتبط التعدد بالهجرة للعمل في الخارج، حيث ينتقل العديد من العمال إلى موسكو نظرًا لاقتصاد قوي وفرص عمل أفضل، وهو ما يميز الوضع عن باقي دول الجوار.
في النهاية، يتضح أن الجدل حول تعدد الزوجات في قيرغيزستان لم يعد مجرد قضية أسرية أو مجتمعية، بل أصبح ورقة سياسية تعكس التوازنات والصراعات بين المؤسسات الحاكمة، وتُستخدم أحيانًا لتعزيز الشرعية أو استقطاب التأييد الشعبي. ويضع استمرار النقاش الدولة أمام معادلة صعبة بين الاستجابة للضغوط الثقافية والدينية الداخلية، وبين الالتزامات الدولية المرتبطة بحقوق المرأة والمساواة. ومن ثم، تمثل الانعكاسات السياسية والاجتماعية والقانونية لهذه القضية بعدًا أساسيًا لفهم أعمق لإشكالية تعدد الزوجات في السياق.