عاجل

القروض الخضراء.. بوابة البنوك المصرية نحو اقتصاد مستدام

التمويل الأخضر في
التمويل الأخضر في البنوك

في السنوات الأخيرة، تصاعد الحديث عن مفهوم التمويل الأخضر كأحد الأدوات الرئيسية لدعم التنمية المستدامة في مصر، خاصة مع تزايد التحديات البيئية والمناخية التي يواجهها العالم، لاسيما أن البنوك المصرية بدأت تدخل هذا المجال تدريجيًا، لتوفر ما يُعرف بـ «القروض الخضراء»، وهي منتجات تمويلية موجهة لدعم المشروعات الصديقة للبيئة، مثل مشروعات الطاقة الشمسية، وإدارة المخلفات، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة والمياه.

لكن ما هي حقيقة هذه القروض؟ وهل استطاعت أن تجد لها مكانًا في السوق المصرفي المصري، وفي اهتمامات المستثمرين والأفراد؟

القروض الخضراء هي أدوات تمويل مصرفي تُخصص حصريًا للمشروعات التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، أو تحسين استغلال الموارد الطبيعية، أو دعم الاقتصاد الدائري. الفكرة تقوم على أن البنك لا يمول فقط نشاطًا اقتصاديًا ربحيًا، بل يشترط أن يكون النشاط أيضًا مفيدًا للبيئة ويحقق قيمة مضافة للمجتمع.

تتراوح هذه المشروعات ما بين تركيب ألواح الطاقة الشمسية فوق المباني، مرورًا بإنشاء مصانع لإعادة تدوير البلاستيك، وصولاً إلى دعم المشروعات الزراعية التي تعتمد على نظم ري حديثة توفر المياه.

وقال محمد بدرة الخبير المصرفي، إن القروض الخضراء ليست رفاهية، بل أصبحت ضرورة اقتصادية، موضحًا أن العالم كله يتجه نحو اقتصاد منخفض الكربون، ومن لا يواكب هذا التحول سيجد نفسه خارج المنافسة.

وأوضح الخبير المصرفي في تصريحات صحفية أن البنوك المصرية أمامها فرصة كبيرة لتصبح جزءًا أساسيًا من مشروعات التنمية المستدامة، لكن الأمر يحتاج إلى توعية أكبر وتبسيط لإجراءات الحصول على التمويل الأخضر.

وأشار إلى أن القروض الخضراء تمثل خطوة جديدة في مسيرة البنوك المصرية نحو اقتصاد أكثر استدامة. صحيح أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات، لكن النجاحات التي تحققت حتى الآن تثبت أن التمويل الأخضر ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو مستقبل العمل المصرفي.

وتابع أن كل جنيه يتم استثماره في مشروع صديق للبيئة، لا يحقق فقط عائدًا ماليًا، بل يساهم أيضًا في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

 

البنوك المصرية والتحول نحو التمويل الأخضر

بدأت عدة بنوك في مصر إطلاق مبادرات ومنتجات خاصة للتمويل الأخضر، أبرزها : 

البنك الأهلي المصري أطلق برامج تمويل للطاقة الشمسية خاصة للمنازل والمصانع الصغيرة، مع تسهيلات في السداد.

بنك مصر تعاون مع مؤسسات دولية لتوفير خطوط تمويلية مخصصة للمشروعات البيئية.

البنك التجاري الدولي  يُعتبر من أوائل البنوك التي تبنت استراتيجية واضحة للاستدامة، وشارك في إصدار سندات خضراء موجهة لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة.

البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) بالتعاون مع بنوك محلية: وفر حزم تمويلية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال كفاءة الطاقة.

هذه الخطوات تُظهر أن القطاع المصرفي بدأ يدرك أن المستقبل لن يكون فقط في القروض التقليدية، بل في ربط التمويل بأهداف بيئية واجتماعية.

فرص كبيرة أمام المستثمرين

 

القروض الخضراء لا تُعتبر مجرد دعم للبيئة، بل هي أيضًا فرصة اقتصادية، فالمستثمر الذي يحصل على تمويل لمشروع يعتمد على الطاقة المتجددة، غالبًا ما يقلل من تكاليف التشغيل على المدى الطويل، ويضمن لنفسه ميزة تنافسية.

على سبيل المثال، أحد المصانع الصغيرة في مدينة السادس من أكتوبر حصل على قرض لتمويل تركيب ألواح شمسية فوق سقف المصنع، ما أدى إلى تقليل فاتورة الكهرباء بنسبة 60% خلال عام واحد فقط.

وبالنسبة للأفراد، بدأت بعض البنوك في تقديم قروض شخصية لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية في المنازل، وهو ما يساهم في تقليل استهلاك الكهرباء التقليدية ويزيد من الاعتماد على الطاقة النظيفة.

 

تحديات أمام القروض الخضراء : 

 

رغم المزايا الكبيرة، إلا أن هناك عدة تحديات تواجه انتشار التمويل الأخضر في مصر:

1. ضعف الوعي: كثير من المستثمرين والأفراد لا يعرفون بوجود هذه القروض أو لا يفهمون شروطها.

2. ارتفاع التكلفة الأولية: المشروعات البيئية غالبًا تحتاج إلى استثمارات أولية كبيرة، ما يجعل بعض المستثمرين مترددين رغم أن العائد يظهر على المدى الطويل.

3. غياب الحوافز الحكومية الكافية: رغم وجود مبادرات، إلا أن دعم الدولة لهذه القروض ما زال محدودًا مقارنة بدول أخرى تقدم إعفاءات ضريبية أو دعمًا مباشرًا.

4. التقييم البيئي: بعض البنوك لا تمتلك بعد الكوادر المتخصصة لتقييم جدوى المشروعات البيئية بشكل علمي دقيق.

 

البنوك الدولية تدعم التحول 

 

اللافت أن كثيرًا من البنوك المصرية تتحرك نحو التمويل الأخضر بدعم من مؤسسات مالية دولية، مثل البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. هذه المؤسسات توفر خطوط تمويل طويلة الأجل للبنوك المحلية، بشرط أن يتم توجيهها لمشروعات صديقة للبيئة.

وهو ما يعني أن التمويل الأخضر في مصر ليس فقط توجهًا داخليًا، بل جزءًا من التزام دولي لمواجهة التغير المناخي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

مستقبل القروض الخضراء في مصر

كل المؤشرات تؤكد أن السوق المصرية مرشحة لمزيد من التوسع في هذا المجال. فمع استضافة مصر لمؤتمر المناخ "COP27" العام الماضي، تعهدت الحكومة بتوسيع نطاق المشروعات الخضراء، وهو ما سيجعل البنوك في موقع رئيسي لتمويل هذه المشروعات.

كما أن الاتجاه نحو المدن الذكية مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة يفتح المجال أمام مشروعات ضخمة في مجالات الطاقة النظيفة وإدارة المخلفات وكفاءة المياه.

 

تم نسخ الرابط