كيف تتحول الأموال المشبوهة إلى أداة لتزييف الوعي المجتمعي؟.. خبير أمني يجيب

أكد اللواء أحمد طاهر، الخبير الأمني المتخصص في التحليل الجنائي والقضايا الإلكترونية، أن ما نشهده على منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تطبيق "تيك توك"، من مظاهر استعراض غير واقعية للثراء الفاحش، لا يمكن اعتباره مجرد اجتهاد فردي لبعض صانعي المحتوى.
وأوضح أحمد طاهر أن الأمر يتجاوز حدود المحاولات الفردية ليكشف عن وجود منظومة متكاملة، أشبه بـ"شبكة مصالح" تعمل على استغلال ثغرات المنصات الرقمية، من أجل تمرير أموال مشبوهة أو مشوّهة، بما يؤدي إلى إفساد القيم المجتمعية وتزييف وعي الشباب.
أربعة أطراف رئيسية تدير اللعبة
وأشار أحمد طاهر ، خلال لقائه في برنامج "أهل مصر" المذاع على قناة "أزهري"، إلى أن هذه المنظومة تدار من خلال أربعة أطراف رئيسية مترابطة. الطرف الأول هو صاحب المال، سواء كان يسعى لغسل أموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة، أو لضخ "أموال مشوّهة" تستهدف بشكل مباشر تدمير الوعي العام.
وتابع أحمد طاهر: "أما الطرف الثاني فهو الوكالات، التي تُضفي الشرعية على المؤثرين وتمنحهم زخمًا مصطنعًا، عبر رفع نسب المشاهدة والمتابعة بشكل وهمي، بما يتجاوز الحقيقة ويخلق صورة مزيفة حول جماهيرية هؤلاء الأشخاص."
السمسار الإلكتروني والواجهة
وبيّن أحمد طاهر أن الطرف الثالث يتمثل في السمسار الإلكتروني، وهو الشخص أو الجهة التي تعمل كوسيط وضامن بين صاحب المال والوكالة والمؤدي. هذا السمسار يشرف على تدفق الأموال، ويراقب عمليات الدفع والتحويلات، ليضمن استمرار المنظومة بشكل منظم.
وواصل أحمد طاهر: "أما الطرف الرابع فهو المؤدي أو "التيك توكر"، الذي يظهر أمام الجمهور بصفته واجهة للاستعراض والثراء السريع، لكنه في الحقيقة مجرد أداة يتم استخدامها داخل المخطط، دون أن يمتلك السيطرة الحقيقية على ما يحدث".
المنصات الرقمية من الظاهرة
وأشار أحمد طاهر إلى أن هذه المنظومة لا تكتمل إلا عند المنصة نفسها، مثل "تيك توك"، التي تجني أرباحًا ضخمة من العمولات والاشتراكات والهدايا الرقمية، بغض النظر عن طبيعة هذه الأموال أو مصادرها.
وأوضح أحمد طاهر أن المنصة تكتفي بالاستفادة المادية من حجم التدفقات المالية الكبير، دون أن تضع في اعتبارها التداعيات الاجتماعية والثقافية لهذه الظاهرة، وهو ما يجعل العملية برمتها أقرب إلى غسل أموال بالمعنى التقليدي، إلى جانب ضخ أموال مشوّهة موجهة خصيصًا لضرب قيم المجتمع.
جرائم متعددة تحت غطاء واحد
وشدد أحمد طاهر على أن خطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها تمثل أكثر من جريمة في آن واحد، فهي أولاً جريمة مالية تتعلق بغسل الأموال وتمريرها عبر قنوات وهمية وثانيًا، جريمة اجتماعية مرتبطة بتزييف وعي الشباب وإيهامهم بأن النجاح يقترن بالمظاهر السطحية. وثالثًا، جريمة ثقافية خطيرة تتمثل في هدم منظومة القيم وإحلال بدائل هشة قائمة على الاستعراض الفارغ مكان قيم العمل والاجتهاد.
وأكد أحمد طاهر أن مواجهة هذه الشبكات يتطلب تعاونًا شاملاً بين الأجهزة الأمنية والجهات التشريعية والمؤسسات الإعلامية، من أجل حماية المجتمع من هذا النوع الجديد من الجرائم المركبة التي تتخفى تحت ستار "المحتوى الرقمي" و"الترفيه الافتراضي".

ضرورة التوعية والرقابة
وأشار أحمد طاهر إلى أن أخطر ما في هذه الشبكات هو قدرتها على التغلغل داخل المجتمع بشكل ناعم وغير مباشر، ما يجعل من الصعب كشفها أو التصدي لها بالطرق التقليدية.
واختتم أحمد طاهر مؤكداً على ضرورة رفع الوعي المجتمعي بخطورة هذه الممارسات، إلى جانب فرض رقابة أكثر صرامة على المنصات الرقمية، وسن تشريعات تجرّم هذا النوع من الاستغلال، حتى لا تتحول المنصات الاجتماعية من أدوات ترفيه وتثقيف إلى ساحات لتدمير القيم وتشويه الهوية.