حكم أخذ الأجرة على تعليم العبادات والقيام بها.. الإفتاء توضح

أثار سؤال شرعي حول حكم أخذ المال مقابل تعليم بعض العبادات أو القيام بها – مثل الإمامة في الصلاة – جدلًا بين الناس؛ إذ يرى البعض أن ذلك يُنافي الإخلاص، فيما ذهب جمهور الفقهاء إلى جوازه بضوابط معينة. وفي هذا الصدد أوضحت دار الإفتاء المصرية الرأي الشرعي استنادًا إلى أقوال كبار العلماء وأدلة من القرآن والسنة.
حكم أخذ الأجرة على فروض الكفايات
أكد الفقهاء أن ما كان من قبيل فروض الكفايات، كالإمامة وتعليم القرآن والفقه، يجوز أخذ الأجرة عليه؛ لأن القائم به يرفع الحرج عن الأمة. واستدل الإمام ابن العربي في كتابه أحكام القرآن على ذلك بقوله إن تولية بعض الناس بجمع الصدقات أو الإمامة في الصلاة هو من فروض الكفايات، وبالتالي يجوز أن يأخذ القائم بها أجرة نظير عمله، إذ لا يستطيع الجميع القيام بهذا الدور في وقت واحد.
وأشار ابن العربي إلى الحديث الصحيح عن النبي ﷺ: «ما تَرَكْتُ بعد نفقة عيالي ومَئُونَة عَامِلِي فَهُو صَدَقَةٌ»، مؤكدًا أن إقرار النبي ﷺ بتمليك العامل نصيبه من المال يُعد دليلًا على جواز الأجرة مقابل خدمة يؤديها لصالح المجتمع.
تعليم العبادات والعلوم الشرعية
لم يقتصر الجواز على الإمامة فقط، بل شمل أيضًا تعليم العلوم والعبادات، كتعليم القرآن الكريم، والفقه، وأحكام الطهارة والصلاة. وقد أورد ابن قدامة في كتابه المغني أن هناك روايتين في المسألة؛ الأولى تحرِّم الاستئجار على هذه الأعمال، وهي مذهب أبي حنيفة وإسحاق، بينما الثانية تجيز ذلك، وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر، واستدلوا على الجواز بقول النبي ﷺ: «أحقّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيهِ أَجْرًا كِتَابُ الله».
كما استشهدوا بفعل الصحابة الذين أخذوا الجُعل على الرقية بكتاب الله، وأقرهم النبي ﷺ على ذلك، وهو ما يفتح الباب أمام جواز الأجرة على التعليم والعبادات التي يعود نفعها على الأمة.
يرى العلماء أن أخذ الأجرة على هذه الأعمال يشبه جواز أخذ النفقة على بناء المساجد أو القناطر، إذ هي منافع عامة يتعدى نفعها للناس جميعًا. كذلك فإن الحج – وهو من أعظم العبادات – أجاز كثير من الفقهاء الاستئجار عليه، بأن يُنيب المسلم غيره في أداء الفريضة مقابل مال، مع مراعاة شروط عقد الإجارة.
خلصت دار الإفتاء إلى أن أخذ المال مقابل الإمامة، أو تعليم القرآن والفقه، أو غيرها من العبادات التي تُعد فروض كفاية، أمر جائز شرعًا، بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية لعقد الإجارة، وأن يكون العمل مشروعًا نافعًا للمجتمع. وبهذا يزول الإشكال حول تعارض الأجرة مع الإخلاص، إذ أن المقصد الشرعي هنا هو حفظ فروض الكفاية وإتاحتها للناس دون مشقة أو تقصير.