أسعار الفائدة في مصر.. من الارتفاع القياسي إلى بداية الخفض التدريجي

شهدت أسعار الفائدة في مصر خلال السنوات الأخيرة مسارًا متقلبًا، يعكس تفاعل السياسة النقدية مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية. فبعد موجات متتالية من الرفع الحاد لمواجهة التضخم وجذب الاستثمارات، تتجه البوصلة حاليًا نحو الخفض التدريجي، في خطوة تعكس سعي البنك المركزي لتحقيق توازن دقيق بين استقرار العملة ودعم النمو الاقتصادي.
من التعويم إلى ذروة الفائدة
بدأت رحلة الفائدة المرتفعة في نوفمبر 2016 مع تحرير سعر الصرف، حين رفع البنك المركزي الفائدة بنحو 700 نقطة أساس خلال فترة وجيزة، بهدف كبح التضخم وجذب التدفقات الدولارية.
وفي 2018 و2019، ومع تراجع معدلات التضخم، بدأ مسار خفض تدريجي، قبل أن تدفع جائحة كورونا البنوك المركزية عالميًا، ومن بينها مصر، إلى خفض إضافي للفائدة لدعم النشاط الاقتصادي.
لكن عامي 2022 و2023 أعادا الفائدة إلى مسار الصعود القوي، مدفوعة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، إضافة إلى ضغوط على عملات الأسواق الناشئة.
2025.. بداية مرحلة التيسير النقدي
في النصف الأول من العام الجاري، فاجأ البنكان الأهلي ومصر السوق بقرارات خفض تدريجي للفائدة على الشهادات الادخارية، في مؤشر على بدء مرحلة تيسير نقدي محسوبة، بعد تراجع نسبي في معدلات التضخم وتحسن الاحتياطي النقدي وعودة بعض الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين.
«نيوز رووم» رصدت تسهيلات البنوك في شراء الشهادات الادخارية عبر القنوات الرقمية، حيث يمكن للعميل شراء الشهادة أونلاين من خلال التطبيقات البنكية أو الإنترنت البنكي، بشرط امتلاك حساب جارٍ أو توفير، وتحديد المبلغ وربطه إلكترونيًا، دون الحاجة لزيارة الفرع، وهو ما يعكس تطور التحول الرقمي في القطاع المصرفي.
تأثيرات الخفض على الاقتصاد والمودعين
يؤدي خفض الفائدة إلى تقليل تكلفة الاقتراض، ما يشجع الشركات على الاستثمار والتوسع، لكنه في المقابل يقلص العائد على مدخرات الأفراد. وهنا يبرز التحدي أمام صانع القرار النقدي في تحقيق توازن بين مصلحة المقترضين وحماية دخول المودعين.
مصر في مقارنة عربية
في حين تتحرك أسعار الفائدة في الخليج، مثل السعودية والإمارات، غالبًا وفق قرارات الاحتياطي الفيدرالي، وتحافظ على استقرار نسبي بفضل ارتباط عملاتها بالدولار، تتبع دول أخرى مثل الأردن والمغرب نهجًا أكثر تحفظًا بمستويات فائدة معتدلة.
أما مصر فتظل حالة خاصة، إذ تعتمد بشكل كبير على أداة الفائدة لجذب السيولة الدولارية وكبح التضخم، ما يفسر مستوياتها المرتفعة مقارنة بأسواق المنطقة.
المشهد المستقبلي
يرى خبراء أن مسار الخفض خلال النصف الثاني من 2025 مرهون بعدة عوامل، أبرزها تطورات التضخم، وأداء الجنيه أمام العملات الأجنبية، واتجاه أسعار الفائدة العالمية، وحجم الاستثمارات الأجنبية الواردة.
وفي حال استمرار تراجع التضخم، قد نشهد خفضًا إضافيًا بنهاية العام، مع إطلاق منتجات ادخارية بأسعار تنافسية للحفاظ على ودائع العملاء.