عاجل

حين تتحول 4 جدران إلى محاولة بقاء.. مآسي على هامش الإيجار القديم

الإيجار القديم
الإيجار القديم

بين جدران قديمة تحمل ذكريات عقود طويلة، يعيش آلاف المستأجرين تحت مظلة ما يُعرف بـ قانون الإيجار القديم، ومع بدء تطبيق إجراءات تسليم الوحدات السكنية وإتاحة تقديم الطلبات عبر المنصة الإلكترونية للحصول على وحدات بديلة، تتصاعد مخاوف المستأجرين، ليس فقط من فقدان منازلهم، بل من تغيّر كامل في أنماط حياتهم واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي.

التحقيق التالي يستعرض أصوات المتضررين، وينقل أسئلتهم التي تحمل بين طياتها هواجس إنسانية واجتماعية، بعيداً عن الجدل القانوني والمصالح المتعارضة بين الملاك والمستأجرين.

قصص خلف الجدران.. وقلق يتجاوز فكرة الانتقال

لا يرى كثير من المستأجرين أن القضية مجرد "أربع حيطان"، بل منظومة حياة متكاملة يصعب إعادة بنائها في مكان جديد.

"ينفع راجل مسن ومريض يسكن في الأدوار العليا؟"
"ينفع سيدة قعيدة تنتقل لدور مرتفع بدون مصعد؟"
"كيف يعيش مريض غسيل كلوي بعيداً عن المستشفى الذي يعرفه ويعرفه الأطباء؟"

هذه الأسئلة تعكس واقع كبار السن والمرضى وذوي الإعاقة، الذين يخشون أن يتحول انتقالهم إلى عبء جسدي ونفسي يفوق طاقتهم.

شقة في دور عالٍ لا ترحم مريضاً أو مسناً

الحاج عبدالرحيم، 72 عاماً، يعاني من أمراض القلب وضغط الدم، يقول لـ"نيوز رووم": "بيقولوا هينقلونا لوحدات بديلة.. طب ينفع واحد زَيّي، بالكاد بيطلع كام سلمة، يسكن في دور خامس أو سادس من غير أسانسير؟! ده مش نقل سكن".

النساء والأرامل.. معركة من أجل الأمان الاجتماعي

في قلب المخاوف، تبرز قضايا النساء الأرامل والمطلقات والأسر التي فقدت عائلها، الانتقال إلى مناطق جديدة يعني  بالنسبة للبعض الابتعاد عن المدارس التي يرتادها الأبناء، وعن شبكات الدعم الاجتماعي التي تشكل طوق نجاة في أوقات الأزمات.

"ينفع أرملة تسكن بولادها بعيد عن مدارسهم؟"
"البنات اليتامى اللي ساكنين مطرح أبوهم يروحوا حتة محدش يعرفهم فيها؟"

الأمان المجتمعي في الأحياء القديمة لا يُقاس بالمسافة فقط، بل بعلاقات الجيرة والمعرفة المتبادلة، التي تشكل طبقة حماية غير مرئية، خاصة في بيئات تواجه تحديات أمنية.

الأبناء والمدارس.. فصول جديدة من المعاناة

الأرملة سعاد، أم لثلاثة أبناء في مراحل دراسية مختلفة، تتخوف من أن يبعدها السكن الجديد عن مدارس أولادها:"لو نقلوني بعيد، هضطر أغيّر مدارسهم، وأدفع مصاريف مضاعفة، وهتقطع علاقتهم بزمايلهم.. إحنا مش حجار تتشال وتتزرع في مكان تاني".

الأرزاق المهددة.. مشروعات عمرها عقود

بعيداً عن المساكن، هناك حياة اقتصادية كاملة قد تنهار مع الانتقال القسري، بعض المستأجرين بنوا مصدر رزقهم بجوار منازلهم، من ورش ومحال ومشروعات صغيرة، يعتمدون فيها على زبائن يعرفونهم منذ سنوات.

"ينفع بعد ثلاثين سنة شغل في دكان أو صيدلية أبدأ من الصفر؟"
"إزاي أجرجر أسَر الناس اللي بتشتغل معايا عشان أبدأ ورشة جديدة؟"
"خباز شغال في فرن من سنين.. يلاقي شغل تاني بسهولة؟"

هذه المشروعات الصغيرة تمثل مصدر دخل مباشر لعائلات بأكملها، وأي تغيير جغرافي يعني فقدان شبكة العملاء، وتكاليف باهظة لإعادة التأسيس.

العمل والرزق على المحك

عم حسن، خباز يعمل في فرن البلدة منذ 30 عاماً، يقول: "صاحب الفرن عارفني وواخد عليا، لو نقلت بعيد، أشتغل فين؟ وأبدأ من الصفر في سن الخمسين؟".

أما سامي، صاحب ورشة صغيرة، فيوضح: "أنا مش بس هخسر بيتي، هخسر الزباين اللي كونتهم في 20 سنة، وهتأثر معايا أسر العمال اللي بيشتغلوا معايا".

التحديات الاقتصادية الخفية

وراء كل حالة، تكمن أعباء مالية قد لا تبدو واضحة في بداية النقاش:

تكاليف تركيب عدادات الغاز والكهرباء والمياه من جديد.

مصاريف الانتقال والنقل والتأثيث.

تكلفة تجهيز وحدة جديدة مقارنة بالوحدة الحالية المهيأة للسكن.

زيادة مصاريف المواصلات إذا بُعدت أماكن السكن الجديدة عن أماكن العمل والمدارس.

أم قعيدة ومصير مجهول

أم هناء، سيدة خمسينية قعيدة على كرسي متحرك، تسأل بمرارة: "هاروح إزاي شقة بعيدة عن المستشفى اللي بتابع فيه علاجي؟ أنا محتاجة أبقى على بعد خطوات من الدكتور والصيدلية، مش أعيش في عزلة".

فقدان الروابط الاجتماعية والأمان

مريم، شابة فقدت والدها منذ أعوام، تعيش مع شقيقاتها في منزل العائلة: "إحنا بنات يتامى، وأهل الحارة حوالينا زي العيلة. لو رحنا في حتة محدش يعرفنا فيها، مين هيقف جنبنا لو حصلت مشكلة؟".

صوت المستأجرين.. نريد حواراً لا قرارات فوقية

أغلب المستأجرين الذين تحدثوا إلينا أكدوا أن القضية ليست رفضاً لفكرة التنظيم أو تطبيق القانون، بل المطالبة بحلول إنسانية ومدروسة تراعي الحالات الخاصة.
"لا نطلب استعطافاً ولا ردوداً من الملاك، بل نريد دراسة جادة لظروفنا حتى لا يتحول القانون إلى حكم إخلاء قاسٍ على الضعفاء."

تم نسخ الرابط