أرفضُ وبشدة فكرتي تثبيت وتدوير القيادات داخل أيّ مؤسسة أو مصلحة حكومية؛ بحجة أنه لم تأتِ بمثلهم ولاّدة، فبقاء المسئول أو تصعيدُه لمنصب أعلى داخل مؤسسته، أو ندبُه لمكانة أرفع وأشرف بهيئة أو مصلحة أخرى هو تأصيلٌ لمبدأ الأنانية، وتجذير للفساد، وحجر عثرة في طريق تكافؤ الفرص، وتفريخ الكوادر .
إن تدوير القيادات - يا سادة - هو رسالةٌ فجة تُعلن سطورُها الباهتة أنَّ أرحام النساء عَقمتْ أن تأتي بمثل هذا المسئول الألمعي، الذي يُتقن لعبة الانتقال علي الكراسي المُتحركة !
كثيرٌ من المسئولين، آلتْ إليهم مناصبُ أكبر من إمكاناتهم، وجلسوا علي كراسي أكبر من أحجامهم، لكنهم سرعان ما تكيّفوا مع الوضع، وتشبثوا بالفرصة، وأقسموا ألا يتركوها ولو بالطبل البلدي، مثلما فعل الفنان العبقري أحمد زكي في فيلم ( معالي الوزير ) لوحيد حامد، وسمير سيف .
ومؤكد أنّه لم يكن بقاء هؤلاء المسئولين في أماكنهم بسبب قدراتهم الفذّة علي الإدارة، وتسيير الأمور وفقط، ولكن بسبب رفع المرءوسين شعار : ( عاش الملك .. مات الملك )، الذي صنع كثيرا من الطواغيت علي مرّ الأزمان !
إن تغيير القيادات هو ضمانةُ تفريخ الكوادر، وضخ الدماء الجديدة، وتفجير الطاقات، والاستفادة من الخبرات، بينما بقاؤهم أكثر من فترة، هو تعطيلٌ للطاقات، وتكلس للأفكار، ووأد للخبرات، وتيسير فرص السرقة والنهب، والثراء غير المُبرَّر، والتاريخ شاهد، فكم من أشخاص حققوا ثراء ومجدا شخصيا من وراء مناصبهم، بعدما فتحوا بطونهم ( وكروشهم ) للمال العام بحجة أنّه لا صاحب له !
نعمْ تصدت الدولة، وتتصدي لهؤلاء، ولكن قطعا للشك باليقين، فلابد من رفض الدولة مُطلقا فكرة التجديد والمدّ للقيادات سدا للذرائع !
إن موقفَ فاروقِ الأمة عمرَ بن الخطاب في عزل خالد بن الوليد عن إمارة الشام، وقيادة الجيش، وإسناد الأمر لأبي عبيدة بن الجراح، رغم ثقته في أمانة خالد وجدارته، هو تأطيرٌ لفكرة تجديد الدماء؛ لتفجير الطاقات .
أمّا فكرةُ بقاء المسئول أيا كان موقعه حتي موته، أو خروجه بفضيحة مدوية، و ( جُرسة بجلاجل ) فهو تعطيلٌ لمسيرة التقدم والتنمية والبناء .
ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حينما قال لخالد بن الوليد في واقعة عزله: ما عزلتك عن تقصير، ولكن حتي لا يُفتن بك الناس، ولا تغتر بنفسك.
إنّ العيب ليس في ذلك الشخص السّمج، الذي يتشبث بالمنصب، بل ويتطلع للأعلى، ولكنّ العيب في أصحاب القرار، الذين يحققون له ذلك الغرض، ويُلبون له ذلك المطلب البعيد كل البعد عن العدالة وتكافؤ الفرص .
وأخيرا أتساءل: وعى عمرُ بن الخطاب القضية .. فهل نحن لها واعون ؟