مدير «الاستشراف الإفتائي»: المركز سبق معرفي سيؤسس لدور مصر الإفتائي

قال الدكتور محمود حسن البيطار مدير مركز الاستشراف الإفتائي، إن الواقع الديني والفكري يشهد تحولات متسارعة، تربك منطق التلقي التقليدي، وتعيد تشكيل أسئلة الفتوى ومقدماتها في سياقات لم تعهد من قبل. ولئن كانت المؤسسات الإفتائية معنية بالاستجابة لهذه التحولات والمتغيرات الطارئة.
صناعة المفتي الرشيد
وأشار إلى أن التحول البنيوي الذي يطرأ على طبيعة السؤال نفسه وملابساته يحتم على المؤسسة أن تعيد النظر في موقعها، لا بوصفها متلقية للسؤال فحسب، بل وشريكة في صناعته وصياغته.
وأكمل: من هنا، كان سعي المؤسسة الإفتائية متمثلة في الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وقلبها النابض، دار الإفتاء المصرية، إلى تقديم ورشة علمية بعنوان: "جلسة عصف ذهني: استشراف مستقبل الإفتاء في ظل التطورات المتوقعة للذكاء الاصطناعي"، وهي ورشة تفاعلية ينظمها "مركز الاستشراف الإفتائي" الذي بدأت المؤسسة الإفتائية تفعيله بروح من التأمل المؤسسي المسؤول؛ لا بوصفه وحدة إدارية فحسب، بل من حيث كونه بنية تحليلية ومعرفية، تعمل على تطوير منهج الاجتهاد الوقائي؛ من خلال رصد التحولات القيمية في الواقع، وتحليل أنماطها، وتوقع مآلاتها، بما يسمح بصياغة مواقف فقهية استباقية منضبطة.
وقال «البيطار»: لقد كان عمل هذا المركز قائما على تحقيق مفهوم الاستشراف الإفتائي، الذي هو "مهارة فقهية للمفتي، تهدف إلى استقراء شواهد الواقع المعيش ومعطياته؛ للوقوف على ما قد يتولد عنها من قضايا إفتائية، لم يسبق التطرق إليها، في محاولة لإيجاد فتاوى استباقية لها، قبل الشيوع والانتشار"؛ وذلك انطلاقا من هذا المبدأ الذي بذر بذرته الإمام الأعظم أبو حنيفة؛ حينما قال مؤسسا لمبدأ الافتراض الفقهي، والاستشراف الإفتائي: "إنا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه".
وتابع: إن هذا المركز ليس فقط خطوة نحو تطوير الفكر الإفتائي، بل هو سبق معرفي سيؤسس لدور مصر الإفتائي، متمثلة في الأمانة العامة ودار الإفتاء المصرية في الانتقال من استجابة الماضي ومواكبة الحاضر إلى استشراف المستقبل، ويقدم للفتوى أداة فلسفية ومنهجية تجديدية، تواكب التحديات المعاصرة، وتستشرف آفاقا معرفية ممتدة؛ وذلك لكونه مركزا على غير مثال سابق في المؤسسات الإفتائية، والمجامع الفقهية الحالية، مما يشكل نقلة نوعية نحو إبداع حلول معرفية تراعي سياق التسارع في الواقع المعاصر.
إن هذا المركز لا يهدف إلى مضاعفة الإجابة، بل إلى استشراف طريقة السؤال، والانخراط في تفكير مؤسسي يؤمن بأن المستقبل ليس تهديدا، بل هو مجال لتفعيل أدواتنا المنهجية.
وقد أنجز المركز عددا من المـخرجات العلمية الأولية، المتعلقة بأحكام السيارات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد والحيوية، وزراعة الأعضاء، والروبوتات، والحمض النووي، والتعديل الجيني، وشرائح الرأس، والعالم الافتراضي، والملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي، والأغذية المعدلة وراثيا، وتقنية النانو، والحياة خارج كوكب الأرض ...كل ذلك في محاولات بحثية جادة، تقوم على مراحل أربع، تشتمل على: التصوير ثم التكييف ثم التدليل، ثم تنزيل الحكم والإفتاء.
في محاولة فقهية إفتائية، همها إنتاج نوع جديد من الفقهيات، وإضافته إلى آخر ما تعمل عليه دور الفتوى والـمجامع الفقهية؛ إنه "فقه ما بعد النوازل والمستجدات".
وتوجه إلى الدكتور نظير محمد عياد؛ مفتي الديار المصرية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، راعي هذا المؤتمر، على دعمه ومساندته، وإلى الضيوف الكرام من الوافدين، وإلى الأساتذة العلماء من جامعة الأزهر بتخصصاتهم المختلفة، وإلى أمناء الفتوى والمفتين؛ كل بجميل اسمه وشريف وصفه؛ فشكر الله لكم جميل سعيكم ومسعاكم؛ وجزاكم عن الإسلام وأهله خير الجزاء؛ ولكم مني أطيب التحية وأرقى الثناء.