مصر بين الغاز الإسرائيلي والغاز المسال: أرقام تكشف أسباب تنويع الإمدادات

سجلت واردات مصر من الغاز الإسرائيلي في 2024 مستويات غير مسبوقة، لتصل إلى 981 مليون قدم مكعبة يوميًا، بزيادة 18.2% عن 2023. وفي ديسمبر من العام نفسه بلغت الذروة عند 1.065 مليار قدم مكعبة يوميًا.
ومن المنتظر أن يسهم تدشين خط أنابيب جديد يربط أشدود–عسقلان بالعريش بحلول مايو 2025 في رفع القدرة الاستيعابية لأكثر من 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا.
تراجع الإنتاج المحلي والعودة إلى LNG
في المقابل، انخفض إنتاج مصر من الغاز الطبيعي من 6 مليارات قدم مكعبة يوميًا في أوائل 2021 إلى نحو 3.5 مليار قدم مكعبة بحلول أبريل 2025، مدفوعًا بتراجع إنتاج بعض الحقول الكبرى وعلى رأسها حقل ظهر.
هذا التراجع دفع القاهرة إلى استئناف استيراد الغاز المسال (LNG) في 2024 بعد توقف دام منذ 2018. وخلال الربع الثاني من 2025، قفزت واردات الغاز المسال بنسبة 1,650% لتصل إلى 1.75 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 0.1 مليار متر مكعب فقط في الفترة نفسها من 2024.
كما ارتفعت قيمة الواردات الإجمالية من LNG في الأشهر الأربعة الأولى من 2025 إلى 2.41 مليار دولار، مقابل 1.02 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام السابق.
لماذا لا يغني الغاز الإسرائيلي عن LNG؟
رغم أن الغاز الإسرائيلي شكّل في 2024 نحو 72% من واردات الغاز لمصر، إلا أنه استحوذ على 58% فقط من فاتورة الاستيراد، نظرًا لانخفاض سعره (حوالي 338 دولارًا لكل 1000 طن مقابل 685 دولارًا للغاز المسال).
لكن وفق خبراء الطاقة، هناك عدة أسباب تجعل القاهرة تواصل استيراد LNG إلى جانب الغاز الإسرائيلي:
1. أولوية إعادة التصدير
جزء كبير من الغاز الإسرائيلي المورّد لمصر يتم توجيهه إلى محطات الإسالة في إدكو ودمياط لإعادة تصديره إلى أوروبا وآسيا بموجب عقود طويلة الأجل، وهو ما يحقق عائدات بالعملة الصعبة ولا يدخل بالكامل في الاستهلاك المحلي.
2. عجز موسمي في الإنتاج المحلي
زيادة الطلب على الكهرباء في الصيف، مع انخفاض إنتاج بعض الحقول، يخلق فجوة مؤقتة تُسد عبر استيراد LNG.
3. قيود البنية التحتية
خطوط الأنابيب الإسرائيلية – مثل خط العريش–العقبة – ذات سعة محدودة، ما يجعل LNG خيارًا سريعًا ومرنًا لضخ كميات أكبر مباشرة في الشبكة القومية عند الحاجة.
4. مرونة في التعاقدات
عقود الغاز الإسرائيلي طويلة الأجل، بينما يتيح LNG من السوق الفوري التعاقد عند الحاجة أو عند هبوط الأسعار عالميًا.
5. استراتيجية أمن الطاقة
تنويع مصادر الإمداد يضمن استقرار السوق المحلية وتجنب أي اضطراب مفاجئ في الإمدادات من مصدر واحد، سواء لأسباب سياسية أو فنية.
خطط الإمداد للعام المقبل
تعاقدت مصر على استيراد 150–160 شحنة LNG لتغطية احتياجاتها من يوليو 2025 حتى يونيو 2026، منها 40–60 شحنة لصيف 2025 بتكلفة قد تصل إلى 3 مليارات دولار، تحسبًا لانخفاض الإنتاج أو توقف الإمدادات الإسرائيلية مؤقتًا.
ويري محللين أن استمرار استيراد الغاز المسال ليس تناقضًا، بل جزء من سياسة متعمدة لموازنة العجز المحلي وضمان أمن الطاقة، مع الاستفادة من الغاز الإسرائيلي في التصدير وجني العملة الصعبة، وفي الوقت نفسه تأمين الإمدادات المحلية خلال فترات الذروة أو الاضطراب في السوق العالمية.