«الكلمة كاملة».. ننشر كلمة الرئيس السيسي بالمؤتمر الصحفي مع الرئيس الأوغندي

استقبل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم بقصر الاتحادية، رئيس جمهورية أوغندا يويري كاجوتا موسيفيني، حيث عُقدت مراسم الاستقبال الرسمية، وعُزف السلام الوطني لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية أوغندا.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيسين عقدا اجتماعًا مغلقًا، أعقبته جلسة مباحثات موسعة شارك فيها وفدا البلدين. وقد بحث الجانبان سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية التاريخية بين مصر وأوغندا، واتفقا على مواصلة تعزيزها، خاصة فيما يتعلق بالجوانب السياسية، والتجارية، والاستثمارية، بما يحقق المصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين.
وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن الرئيسين شهدا التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم في مجالات مختلفة: التعاون الفني في قطاع إدارة الموارد المائية، والتعاون الزراعي والغذائي، والاستثمار، والإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الرسمية، بالإضافة إلى التعاون الدبلوماسي لدعم إنشاء معهد دبلوماسي أوغندي.
وعقد الرئيسان مؤتمرًا صحفيًا عقب الانتهاء من المباحثات، استعرضا فيه نتائج الاجتماعات. وفيما يلي نص كلمة السيد الرئيس خلال المؤتمر:
"أخي فخامة الرئيس يويري موسيفيني، رئيس جمهورية أوغندا، يسعدني أن أرحب بكم اليوم والوفد المرافق لكم في بلدكم الثاني مصر، في زيارة نُثمِّنها غاليًا، حيث تأتي في إطار العلاقات التاريخية التي تجمع بلدينا وشعبينا الشقيقين، المرتبطين برباط نهر النيل الأبدي، ويجمعهما عقود من التضامن والتعاون في مختلف المحافل والمجالات.
شهدت العلاقات الثنائية المصرية-الأوغندية تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، بما يعكس المصالح الوثيقة التي تربط بلدينا. لقد أكدت خلال مباحثاتنا اليوم مع فخامة الرئيس موسيفيني حرص مصر على الارتقاء بالعلاقات مع أوغندا إلى آفاق أرحب، وتطلعنا لأن تمثل زيارة فخامته انطلاقة جديدة نحو شراكة حقيقية.
ناقشنا كذلك سبل تفعيل التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. واتفقنا على الإسراع في إجراءات تشكيل مجلس أعمال مشترك، وتشجيع الزيارات بين مجتمعي الأعمال، بما يسهم في تحقيق المصالح المتبادلة. وفي هذا الإطار، سوف ينعقد منتدى الأعمال المشترك على هامش الزيارة للتعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة في البلدين.
تطرقنا أيضًا إلى فرص التعاون في مجال التدريب وبناء القدرات، وأكدنا حرصنا على المضي قدمًا في التعاون لمكافحة الأمراض البيطرية، فضلاً عن اهتمامنا المتزايد بالتعاون في قطاع الطاقة. وفي المجال الأمني، اتفقنا على مواصلة التعاون القائم، لا سيما بعد التطورات المهمة التي شهدتها الزيارة الأخيرة لقائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية لمصر، والاتفاق على عقد لجنة للتعاون العسكري سنويًا.
تبادلت وأخي الرئيس 'موسيفيني' الرؤى حول نهر النيل، شريان الحياة لبلدينا. وتوافقنا على أن التعامل الأمثل بين دول حوض النيل يجب أن يتأسس على ضرورة تعزيز العمل لتحقيق المنفعة المشتركة، والتعاون للحفاظ على هذا المورد الحيوي وتنميته بصيغة 'مراعاة مصالح الجميع'، وعدم إيقاع الضرر وفقًا لقواعد القانون الدولي. وكما ذكر فخامة الرئيس 'موسيفيني' بحكمته البالغة: "بدون الحفاظ على بيئة حوض النيل، لن نجد شيئًا نتقاسمه".
من هذا المنطلق، أكدت لفخامة الرئيس 'موسيفيني' دعمنا الكامل لجهود التنمية في أوغندا، وبقية الأشقاء في دول حوض النيل الجنوبي، واستعدادنا للمساهمة في تمويل مشروع سد 'أنجلولو' بين أوغندا وكينيا، وذلك من خلال الآلية التي أطلقتها مصر للاستثمار في مشروعات البنية التحتية في حوض النيل بتمويل مبدئي قدره 100 مليون دولار.
كما يسعدني الإعلان عن إبرامنا اليوم مذكرة تفاهم جديدة في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية، للبناء على التعاون الممتد لأكثر من 20 عامًا بين البلدين، حفاظًا على بيئة نهر النيل وتنمية لموارده، بقيمة إجمالية تبلغ 6 مليون دولار على 5 سنوات، تأكيدًا على التزامنا الراسخ بدعم التنمية في أوغندا وبقية دول حوض النيل الشقيقة.
وفي ذات السياق، أكدت ثقتنا في الدور البناء الذي تقوم به أوغندا لقيادة العملية التشاورية في مبادرة حوض النيل لاستعادة الشمولية والتوافق بين دول الحوض لتحقيق المنفعة المتبادلة. كما شددت على رفض مصر الكامل للإجراءات الأحادية في حوض النيل الشرقي، الذي سعينا أن يكون مصدرًا للتعاون لا للصراع. "ومخطئ من يتوهم أن مصر ستغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي… وسنظل متابعين وسنتخذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي للحفاظ على مقدرات شعبنا الوجودية".
واسمحوا لي هنا أن أتوقف لأن هذا الموضوع كان محل نقاش طويل بيني وبين فخامة الرئيس موسيفيني، أولًا لحكمته وثانيًا لخبرته الطويلة. والحقيقة أننا توافقنا على أن موضوع المياه مهم جدًا، وأن التنمية أيضًا مهمة. وموقفنا كان واضحًا منذ البداية، وهو أننا لا نرفض أبدًا تنمية شركائنا وأشقائنا في دول حوض النيل، وليس لدينا مشكلة في ذلك، وأنه يجب ألا يكون لهذه التنمية تأثير على حجم أو حصة المياه التي تصل إلى مصر.
ووجدت في النقاش مع فخامة الرئيس وجهة نظر يجب أن أذكرها لكم، حيث تساءل فخامة الرئيس إن كنا جميعًا معًا، فذكرتُ أننا جميعًا معًا بالطبع، وأنه لا يوجد خلاف على ذلك.
وذكر الرئيس موسيفيني أن حجم المياه الذي يسقط على الحوض، سواء كان النيل الأزرق أو النيل الأبيض، بالأسس العلمية يصل إلى 1600 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، وأنه يتم تقسيم هذه المياه إلى جزء يذهب للغابات والمستنقعات، وجزء يُستخدم في الزراعة، وجزء يتبخر، وجزء يذهب إلى المياه الجوفية، والجزء اليسير هو الذي يصل إلى النيل الأبيض والأزرق، وهو تقريبًا 85 مليار متر مكعب من المياه، بما يمثل نحو 4% من الـ 1600 مليار متر مكعب.
وحينما نطلب أن هذا الحجم من المياه يصل إلى مصر والسودان من أجل العيش بهما، حيث إنه ليس لدينا مصدر آخر بخلافه، هل يعني ذلك رفض التنمية في دول الحوض أو رفض الاستفادة من المياه المتاحة لديهم سواء في الزراعة أو في إنتاج الكهرباء؟ لا بالطبع. وأؤكد ذلك هنا أمام فخامة الرئيس وأمامكم، وأقول للمصريين إن موقفنا منذ البداية أننا لسنا ضد التنمية، ولم نتحدث حتى عن الاقتسام العادل للمياه، حيث إن ذلك سيعني التحدث عن الـ 1600 مليار متر مكعب من المياه، وإنما نتحدث عن المتبقي وهو لا يزيد عن 4% أو 5%.
وذلك أمر مهم جدًا، فنحن لا نردد "نحن وهم"، بل نحن جميعًا. فلا أقول مصر والسودان فقط وهم، وإنما أقول إننا جميعًا معًا، نعيش جميعًا، وننمو جميعًا، ونتعاون جميعًا من أجل ازدهار واستقرار بلادنا. ومن أجل ذلك، أؤكد مرة أخرى فيما يتصل بموضوع المياه بالنسبة لمصر أنه ليس هناك سبيل آخر لنا. وقد ذكر لي فخامة الرئيس أن مصر تعني "الحديقة" في أوغندا، وهذه الحديقة لا يوجد لها مصدر آخر للمياه سوى النيل، فلا يوجد أمطار. وبالتالي فلا أحد يمكن أن يتصور أن مصر ستتخلى عنها، فالتخلي عن أي جزء منها يعني التخلي عن حياتنا، وذلك أمر لن يحدث.
أردتُ ذكر هذه النقطة، ونعول كثيرًا على اللجنة السباعية بقيادة أوغندا لأن تصل بنا إلى توافق لاستفادة الجميع والتعاون لدول الحوض. وهناك دول كثيرة لديها موضوعات مماثلة وقد وصلت إلى تفاهمات واتفاقيات للجميع، ونحن نريد أن نصل إلى هذا الأمر.
اتصالًا بهذه النقطة، فخامة الرئيس، أود التوضيح أن من تتساقط لديه الأمطار لا يشعر أبدًا بإحساس من ليس لديه أمطار. فمصر لا تشهد أمطارًا، والشعب المصري لديه حذر شديد وقلق شديد من موضوع المياه. وأقول للمصريين إنني أقدر ذلك الأمر، وإنني مسؤول مع أشقائي والحكماء، مثل الرئيس موسيفيني، على إيجاد حل لا يؤثر أبدًا على حياة المصريين.
تواجه مصر ضغوطًا كثيرة في هذا الموضوع، وقد تكون المياه جزءًا من حملة هذه الضغوط لتحقيق أهداف أخرى، ونحن مدركون لذلك. وأؤكد مرة أخرى أننا دائمًا ضد التدخل في شؤون الآخرين، وضد التآمر عليهم، وضد الهدم والتدمير. فنحن مع البناء، والتعاون، والتنمية، حيث إن بلداننا في أفريقيا قد كفاها سنوات طويلة من الاقتتال والصراع.
أطمئن المصريين مرة أخرى، إن شاء الله في هذا الأمر، فلن نسمح أبدًا أن يتم المساس بالمياه التي يعيش عليها 105 مليون مواطن، و10 مليون تقريبًا من الضيوف، فلا نسميهم باللاجئين. هنا، أؤكد وأكرر أن وعي المصريين وصلابتهم تعد الركيزة الأساسية التي أعول عليها في مواجهة أي تحدٍ أو أي تهديد محتمل. وفي النهاية، أشكركم، وأشكر فخامة الرئيس مرة أخرى، وأرحب به في بلده مصر، وشكرًا.