تحت وطأة العادات والتقاليد.. نساء الصعيد في معركة طويلة مع «ميراث الأرض»

في عمق صعيد مصر، لا تزال معركة النساء من أجل الميراث ممتدة بين نص القانون الصريح وسلطة العادات والتقاليد التي تحرمهن من ميراث الأرض، ورغم وجود تشريعات تجرّم حرمان المرأة من حقها، تبقى العقبات المجتمعية أقوى، ما يدفع كثيرات إلى الاكتفاء بمبالغ رمزية أو ما يعرف بـ"الرضوة"، مقابل التنازل عن حقهن الشرعي.
وتتحول الأرض في القرى ذات النزعة القبلية، إلى إرث ذكوري مغلق، بينما تواجه النساء رحلة طويلة في المحاكم، غالبًا ما تنتهي دون تمكين فعلي من الحقوق، حتى مع صدور أحكام لصالحهن، وكثيرات يتعرضن لضغوط نفسية واجتماعية، تصل أحيانًا إلى اتهامات باطلة أو استغلال الجهل بالقوانين، ما يتركهن فريسة للحسرة والخسارة.
نساء الصعيد في معركة طويلة مع ميراث الأرض
تتكرر قصص الحرمان، من نساء رحلن وهن يحملن أوراق أحكام قضائية لم تُنفذ، إلى أخريات تم خداعهن للتوقيع على عقود بيع، أو حرمانهن من الأرض بحجة الحفاظ على ملكيتها داخل العائلة، وفي ظل هذا الصراع الممتد، تبقى العدالة بالنسبة لهن أقرب إلى حلم مؤجل، تصطدم جدرانه بواقع اجتماعي متجذر.
وفي جنوب محافظة قنا، وتحديدًا في مركز قوص، عاشت رقية سلمان على مدار عشرين عامًا رحلة بحث مؤلمة عن حقها في الميراث، وقد توفي والدها وهي لم تكمل شهرها الأول، ومنذ ذلك الحين استولى أشقاؤها على الأرض، وظلت تحارب في المحاكم حتى حصلت على حكم قضائي لصالحها، لكن دون جدوى، ووصلت بهم الخصومة إلى اتهامها بالجنون، وظلت تحمل أوراقها بين أروقة المحاكم، ولجأت للإعلام، لكن لم ينصفها أحد سوى القدر، إذ رحلت عن الدنيا بحثًا عن الحقوق بين أبواب السماء السبع.
وما زالت أزمة الميراث في صعيد مصر تمثل صداعًا بين نص القانون الصريح، وبين العادات والتقاليد التي تسلب المرأة حقها في ميراث الأرض.
أزمة الميراث في صعيد مصر
أوضح المحامي محمد عبد العاطي أن المرأة في الصعيد لا تزال تبحث عن حقوقها، خصوصًا في القرى ذات النزعة القبلية التي ترفض منح البنت ميراثها من الأرض، وتكتفي بما يسمى بـ"الرضوة"، وهو مبلغ من المال أو الذهب وتجهيز الفتاة، ليعتبروا أن حقها قد اكتمل، بينما تبقى الأرض حكرًا على الذكور.
من جانبه، قال هيثم محمد، موظف، إن "الرضوة" بالنسبة لكثير من العائلات الكبيرة والقبائل المعروفة تُعد حلاً نهائيًا، رغم مخالفتها للقانون والشرع، مشيرًا إلى قصة السيدة رقية التي ماتت قهرًا بعد أن حصلت على حكم قضائي لم يُنفذ، مؤكدًا أن بعض الجهات التنفيذية ماطلت في تمكينها من أرضها حتى رحلت بحسرتها.
أما المحامي رأفت العزازي، فأكد أن تعديل مادة المواريث رقم 77 من قانون 1943، التي تُجرم حرمان المرأة من الميراث وتعاقب المخالف بالحبس والغرامة، لم يكن كافيًا لوقف الاستيلاء على الحقوق، مضيفًا أن بعض الأسر لا تزال تمارس "وأد البنات" بأسلوب جديد، من خلال إجبار الأب على بيع الأرض للذكور قبل وفاته، أو رفض منح الأرض للبنت حتى لو كان زوجها ابن عمها، بحجة أن أبناءها يحملون اسم رجل آخر.
وتروي سناء محمد، مدرسة، أنها حصلت على حكم قضائي بملكيتها لأرضها لكنها لم تتمكن من استلامها، واكتفت بما يسمى "الرضوة"، وأنه رغم وفاة زوجها، لم تستطع تأمين حق أبنائها في الأرض، مكتفية بمبالغ زهيدة لا تقارن بقيمتها التي تُقدر بالملايين.
كما قالت نسرين محمد، ربة منزل، إنها لم تكمل تعليمها، واستغل أحد أفراد أسرتها جهلها، وجعلها توقّع بختمها على عقد بيع للأرض دون أن تدرك، لتكتشف لاحقًا أنها خسرت أرضها، ولم تحصل سوى على أموال لا تساوي ربع قيمتها.

