منذ عقود، كان يُنظر إلى مشاركة المرأة في الحياة السياسية والانتخابات كجزء من المطالب الحقوقية التي تسعى الحركات النسوية والمجتمعات المدنية لتحقيقها. لكن السنوات الأخيرة في مصر أظهرت أن المرأة لم تعد مجرد ناخب صامت، بل أصبحت رمانة الميزان في أي معركة انتخابية. فهي القادرة على ترجيح كفة مرشح على آخر، وإذا ما تكاتفت خلفه، أصبح فوزه أقرب إلى الحسم.
المرأة كقوة انتخابية حاسمة
الأرقام والدراسات الانتخابية تؤكد أن نسبة مشاركة النساء في عمليات التصويت باتت مرتفعة، خصوصًا في القرى والمناطق الشعبية، حيث تلعب المرأة دورًا محوريًا في حشد أفراد الأسرة والجيران للمشاركة، بل والتأثير في خياراتهم.
هذا الحضور الكثيف جعلها عنصرًا استراتيجيًا في حسابات أي حملة انتخابية، سواء على مستوى البرلمان أو المجالس المحلية أو حتى النقابات. فالمرشح الذي يكسب ثقة المرأة غالبًا ما يكسب دائرة واسعة من الأصوات، نظرًا لدورها في إدارة دوائر التواصل الاجتماعي داخل المجتمع.
ويعود ذلك إلى عوامل عدة:
الالتزام والمثابرة: النساء، خاصة في المجتمعات الريفية، يتمتعن بدرجة عالية من الانضباط في يوم الانتخابات، ويحرصن على المشاركة في التصويت منذ الصباح الباكر.
قوة التواصل الاجتماعي: المرأة قادرة على بناء شبكات دعم واسعة من خلال العلاقات الأسرية والجيرة والعمل التطوعي.
الدوافع العاطفية والقيمية: غالبًا ما تربط المرأة قرار التصويت بمفاهيم الأمان الاجتماعي والاستقرار الأسري والخدمات المجتمعية، وهي عناصر يتقن المرشحون استثمارها في خطاباتهم.
عندما تكون المرأة مرشحة
ورغم هذه القوة في الحشد والدعم، إلا أن الصورة تختلف تمامًا حين تقرر المرأة أن تخوض الانتخابات كمرشحة، خصوصًا إذا كان ترشحها خارج إطار “الكوتا” المقررة في القوانين الانتخابية.
الكوتا منحت النساء فرصة حقيقية لدخول المجالس النيابية بنسبة مضمونة، وهو ما ساهم في رفع عدد النائبات وتحقيق تنوع أكبر في التمثيل. لكن حين تخوض المرأة المعركة منفردة، دون دعم الكوتا، تواجه تحديات قاسية، منها:
ضعف الدعم المادي: الحملات الانتخابية تحتاج إلى موارد مالية كبيرة، وفي كثير من الأحيان، لا تتلقى المرأة نفس حجم التمويل أو الدعم الذي يحصل عليه المرشحون الرجال.
الموروثات الثقافية: ما زالت بعض المجتمعات، خاصة في المناطق الريفية، ترى أن العمل السياسي “شأن رجالي”، مما يقلل من تقبل فكرة التصويت لامرأة.
شبكات المصالح السياسية: الرجال غالبًا ما يمتلكون علاقات أوسع مع مؤسسات وأشخاص مؤثرين قادرين على حشد الدعم، بينما تحتاج المرأة إلى وقت أطول لبناء هذه الشبكات.
الهجمات الشخصية: تتعرض بعض المرشحات لحملات تشويه أو استهداف شخصي يهدف إلى إضعاف فرصهن الانتخابية، وهو أمر لا يواجهه المرشحون الذكور بنفس الحدة.
نماذج ناجحة رغم التحديات
ورغم هذه العقبات، استطاعت بعض النساء أن يحققن نجاحات لافتة خارج نظام الكوتا، مستفيدات من سمعة جيدة في العمل المجتمعي أو خبرة سياسية سابقة أو دعم جماهيري واسع. هذه النماذج تعكس أن التحدي ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى:
• استراتيجية انتخابية دقيقة.
• خطاب جماهيري موجه لاحتياجات الناخبين.
• قدرة على بناء تحالفات قوية.
• حضور ميداني مستمر قبل وأثناء الحملة.
البعد السياسي والاجتماعي للقضية
القضية هنا ليست فقط مسألة فرص متكافئة بين الرجل والمرأة، بل هي انعكاس لطبيعة المجتمع ونظرته لدور المرأة في المجال العام. فوجود المرأة في البرلمان أو المجالس المنتخبة يثري النقاشات التشريعية ويعزز سياسات أكثر شمولية تراعي قضايا التعليم والصحة والأسرة، وهي ملفات غالبًا ما تكون المرأة أكثر حساسية واهتمامًا بها.
لكن في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل أن التغيير الحقيقي يتطلب تحولًا ثقافيًا، يزيل الحواجز الذهنية والاجتماعية أمام تصويت الناخبين لامرأة، ويعزز الثقة في قدراتها القيادية بعيدًا عن فكرة “المقعد المضمون بالكوتا”.
كيف نرفع فرص النساء خارج الكوتا؟
لتحقيق حضور أقوى للنساء في الانتخابات دون الاعتماد فقط على الكوتا، يمكن العمل على:
تدريب وتأهيل المرشحات على إدارة الحملات الانتخابية والتواصل الإعلامي والجماهيري.
بناء شبكات دعم نسائية تساند المرشحات ماليًا ومعنويًا.
تسليط الضوء إعلاميًا على النماذج النسائية الناجحة في السياسة.
تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التصويت بناءً على الكفاءة وليس النوع.
الخلاصة
المرأة في الانتخابات قوة لا يستهان بها، فهي اللاعب الخفي الذي يحدد مصير المرشحين، وهي في الوقت ذاته المرشح الذي يواجه أكثر التحديات قسوة حين يخرج من دائرة الدعم المضمون.
نجاح المرأة في الحشد لا بد أن يُترجم إلى نجاح في الفوز، وهذا يتطلب تغييرًا في ثقافة الناخبين، واستثمارًا أكبر في دعم النساء سياسيًا ومجتمعيًا. فحين تحصل المرأة على فرص متساوية، لا تكون فقط رمانة الميزان، بل قد تتحول إلى كامل الكفة التي ترجح مستقبل الحياة السياسية.