«قرار اللحظة الأخيرة».. اكتئاب وضغوط تدفع الشباب إلى حافة الانتحار

لعل آخرهم شاب ألقى بنفسه في مياه النيل بالمنصورة أمس، ليعيد إلى الواجهة ملف انتحار المراهقين والشباب في مصر، الوضع الذي حذر منه وسط خبراء الصحة النفسية وعلم الاجتماع من تفاقم الظاهرة، مؤكدين علي أن هذه الحالات تعكس أزمة أعمق، تمتد من الضغوط النفسية والاكتئاب، إلى الشعور بالعزلة وفقدان المعنى، في ظل غياب التواصل الأسري وتراجع الدور القيمي للفن والإعلام، ما يجعل بعض الشباب فريسة لليأس والقرارات المأساوية.
المراهقون الأكثر عرضة للانتحار والاكتئاب أبرز الأسباب

وأكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن معدلات الانتحار في مصر تحتل المرتبة الـ79 عالميًا، والرابعة عربيًا، مشيرًا إلى أن أعلى نسب الانتحار تُسجَّل في الدول الإسكندنافية ودول أوروبا الشرقية، إضافة إلى اليابان.
وأوضح "فرويز" في تصريح خاص ل"نيوز روم "، أن المراهقين يمثلون الشريحة الأكبر من حالات الانتحار، خاصة في الفئة العمرية بين 14 و18 عامًا، إذ تتميز هذه المرحلة باضطراب المشاعر وسرعة الانفعال، ما يجعل القرارات انفعالية وفورية، دون التفكير في العواقب.
وتابع: "عند تعرض المراهق لضغط شديد قد يشعر بما يشبه إغلاقًا تامًا في التفكير، فيلجأ إلى إنهاء حياته بطرق مفاجئة مثل إلقاء نفسه من مكان مرتفع أو إشعال النار في جسده".
وأشار إلى أن الاكتئاب يأتي في المرتبة الثانية كأحد أبرز أسباب الانتحار، لافتًا إلى أن له 11 نوعًا، منها الاكتئاب التفاعلي، والاكتئاب المصاحب للأمراض العضوية، أو الناتج عن بعض الأدوية، كما أن مرضى الفصام قد يُقدمون على الانتحار نتيجة سيطرة الهلاوس السمعية عليهم.
وشدد فرويز على أهمية التشخيص والعلاج المبكر، سواء للحالات النفسية أو الأمراض العضوية المصاحبة، مؤكدًا أن التعامل السليم مع المراهقين يتطلب من الأهل التواصل الجيد معهم، وتجنب الضغط الزائد أو إثارة المشكلات.
الشعور بالوحدة وفقدان البهجة السبب

فيما قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، إن تزايد حالات انتحار الشباب في الآونة الأخيرة لا يمكن قراءته بمعزل عن حالة الجفاف النفسي والفني والفكري التي يعيشها المجتمع، مشيرة إلى أن الإنسان كائن يحتاج إلى الشعور بالأمان والانتماء، وهو ما بات مفقودًا في ظل انشغال الأهل وضغوط الحياة.
وأضافت "خضر" في تصريح خاص ل"نيوز روم"، أن غياب الأعمال الفنية الهادفة والبرامج التي تحمل رسائل إنسانية وقيمية، مقابل انتشار العنف والسطحية في المحتوى المقدم، حرم الأجيال الجديدة من مصادر الإلهام والقدوة.
وتابعت: "زمان كانت الأغنية أو المسلسل أو البرنامج الإذاعي يلمس مشاعر الناس ويعطيهم طاقة وبهجة، أما اليوم فهناك فراغ روحي وفكري".
وحذرت من أن انشغال الأسرة وتفكك الروابط الاجتماعية، إلى جانب انعدام القدوة، يولد لدى الشباب شعورًا بالعزلة، مشددًة على ضرورة إعادة الاعتبار للفن الراقي، وبرامج الثقافة والإعلام التي تلامس مشاعر الجمهور، وتعزز قيم الترابط والتراحم، حتى لا يُترك الشباب فريسة للإحباط واليأس.