"تسمية جديدة لهذا النطاق الجغرافي".. نحو دراسات “شرق أوسطية” أكثر تخصصية

كثيراً ما يتردد مصطلح “الشرق الأوسط” إعلامياً وفي المحادثات السياسية حول العالم إلى درجة توحي بأن هنالك إجماع وتحديد على ماهيته، إلا أن إخضاع “الشرق الأوسط” كتسمية إلى تمحيص تقود إلى نتيجة متضاربة غير واضحة المعالم، فكل تسميات الأقاليم لها معنى جغرافي محدد مرتبط بقارة بعينها، فمثلا الشرق الأقصى، آسيا الوسطى، أوراسيا، أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية كلها تسميات ترتبط بموقع جغرافي متفق عليه، ويكاد إقليم الشرق الأوسط أن يكون الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة الجغرافية والجيوسياسية.
مصطلح “الشرق الأوسط” إعلامياً وفي المحادثات السياسية
ووفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية، فتسميته لا تحمل دلالة توصيفية تشير إلى ملامح واضحة محددة متفق عليها، فهل هو “الشرق الأوسط الكبير” الذي يشمل الدول الواقعة بين المغرب غربا وأفغانستان وباكستان شرقا بما فيها تركيا وإيران والكيان الإسرائيلي أم هو محصور في نطاق جغرافي ضيق يستثني شمال إفريقيا – مصر وليبيا والمغرب والجزائر وتونس – وباكستان وأفغانستان.
وقد أشارت دراسة بعنوان “Decolonizing the Middle East” نشرت في مجلة “The Arab World Geographer” في 2023 عدد رقم 2، إلى البعد والحمل الأيديولوجي الاستعماري الذي تحمله تسمية “الشرق الأوسط”، فهذا المصطلح صُكّ في مطلع القرن التاسع عشر ليعبّر عن إقليم آسيوي غير واضح المعالم يقع بين مكان ما شرق البحر المتوسط والمحيط الهندي، ليكون “الأوسط” بالنسبة لشرق الامبراطورية البريطانية العظمى، وهو ما يعني أن التسمية تحمل في جيناتها بعداً إمبريالياً استعمارياً.
لذلك تدعو الدراسة إلى تبّني السياسيين والأكاديميين إلى تسمية جديدة لهذا النطاق الجغرافي، كإقليم غرب آسيا شمال إفريقيا “West Asia North Africa – WANA” أو الانتقال إلى تسميات جغرافية أضيق نطاقاً، كالمشرق العربي والمغربي العربي وبلاد الشام.
وهذه التسمية الأخيرة كانت عنواناً لمنتدى بلاد الشام والعراق الذي أطلقه مركز الدراسات الاستراتيجية/ الجامعة الأردنية في يونيو من هذا العام بالتعاون مع مؤسسة الشرق الأوسط للأبحاث (MERI)، ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية (KAS) ليكون مظلة بحثية تضم مراكز تفكير في الأردن وسوريا ولبنانن وفلسطين والعراق من أجل تبادل وجهات النظر حيال القضايا المشتركة الأكثر إلحاحاً ومحاولة رفد صناع القرار بتوصيات وحلول تدعم مسار التنمية والاستقرار في بلاد الشام والعراق.
فمن الجلي أن الشرق الأوسط يعاني اضطراب متعدد الأبعاد يعيق قيام تعاون إقليمي فاعل، كما أن التباين الهائل بين دوله في الاقتصاد وحالة الاستقرار والاعتبارات الثقافية يدفع نحو البحث عن تكتلات ضيقة النطاق تجمع دول شبه متقاربة من حيث الأوضاع العامة. فلا يمكن بحثياً أو عملياً البقاء في أسر مفهوم الشرق الأوسط وما يحمله من التباس وغموض. وهو ما يحتم الانطلاق في دراسات إقليمية أكثر تخصصية وأضيق نطاقا من أجل بناء تكامل اقليمي حقيقي ملموس وممكن التطبيق، ودون ذلك سنظل عالقين في فخ إطلاق طموحات صعبة التنفيذ وما يحمله ذلك من إحباط عدم تحقق الطموحات.