اختبار التماسك: تحديات الائتلاف الحاكم في إسبانيا بين ملفات الداخل والخارج

يشهد الائتلاف الحاكم في إسبانيا، بقيادة رئيس الوزراء “بيدرو سانشيز” تحديات متصاعدة تهدد تماسكه الداخلي، لا سيما في ظل ضغوط ملفات داخلية وخارجية باتت اليوم بمثابة أدوات توظيف سياسي تؤثر على وحدة الصف الحكومي وتضع الائتلاف أمام اختبار صعب بين الاستمرار أو الانقسام. يأتي ذلك بينما يسجل التيار اليميني صعودًا لافتًا، مستغلًا الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سعيًا للعودة إلى الحكم عبر انتخابات مبكرة.
ووفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تُعد إسبانيا واحدة من الدول القليلة في أوروبا التي يحكمها تيار يساري؛ حيث تولى رئيس الوزراء بيدرو سانشيز السلطة منذ عام 2018 ولمدة سبع سنوات على رأس ائتلاف هش بدعم من حزبه العمال الاشتراكي الإسباني (PSOE)، وحزب سومار اليساري، وأحزاب إقليمية مثل حزب اليسار الجمهوري الكتالوني (ERC)، وحزب جونتس الانفصالي الكتالوني، وحزب بيلدو، والحزب القومي الباسكي (PNV)، وحزب الكتلة القومية الغاليكية (BNG)، وائتلاف جزر الكناري (CC)، وذلك في مواجهة الكتلة اليمينية المكونة من حزب الشعب المحافظ وحزب فوكس اليميني المتشدد.[1]
ويشترك كل من الحزب الاشتراكي العمالي وتحالف سومار بقيادة “يولاندا دياز”، وهما الحزبان الأكبر في الائتلاف، في الخط العام التقدمي اليساري، فكلاهما يؤيدان السياسات الاجتماعية الموسعة ودعم الفئات الهشة، وتعزيز المساواة، بجانب الأمور التي تتعلق بدعم البيئة والحد من التغيرات المناخية، كما يعارض الجانبان سياسات التقشف التي كانت سائدة بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، فضلًا عن انفتاحهم على تسوية النزاعات الإقليمية بالحوار بدلًا من المواجهة.
ومع ذلك، هناك اختلافات أيديولوجية بين الحزبين، فالحزب الاشتراكي أكثر براغماتية، ويحرص على البقاء ضمن الإطار المؤسسي الأوروبي والسياسات الليبرالية الاجتماعية. بينما سومار، المنشق عن حزب بوديموس (اليسار الراديكالي) أكثر جذرية في مواقفه، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، كما أن سومار أكثر انفتاحًا على المواقف القومية الإقليمية، ويدافع عن نهج تفاوضي بخطوات ملموسة نحو تقرير المصير.
أما الأحزاب الداعمة التي تمثل كتالونيا والباسك، فتلعب دورًا حاسمًا في ضمان الأغلبية البرلمانية، ولديها أولوياتها الخاصة التي تتعلق بدعم الحكومة مقابل براغماتية معتدلة حول قضايا تتعلق بالاستقلال والاعتراف السياسي والدفاع عن اللغة والتعليم المحلي وتمويل البنية التحتية ودعم السياسات الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية التي تضمن الاستقرار. ورغم المكاسب، فإن هذه الأحزاب لا تتوانى عن التهديد بالانسحاب من دعم الحكومة إذا شعرت بتراجع في الاستجابة لمطالبها.
ولهذا يواجه “سانشيز” تحديًا كبيرًا يتمثل في إدارة تحالف غير متجانس أيديولوجيًا، بجانب الحفاظ على انسجام الخطاب بين الوزراء داخل حكومته، كما أن حاجته إلى التفاوض الدائم مع شركاء غير مضمونين لتمرير القوانين يضعف من قدرة الحكومة على المبادرة، مع الأخذ في الاعتبار الاستغلال الذي يقوم به التيار اليميني لذلّات وسقطات الحكومة لتقويض شرعيتها.
تهديدات سياسية
“الفساد”: قضية متكررة
لطالما واجه رئيس الوزراء سانشيز الاتهامات بالفساد منذ بداية ولايته في 2018، خاصة وأن واحدًا من أسباب وصوله لمنصب رئيس الحكومة جاءت بعد إقصاء حكومة المحافظين السابقة بقيادة “ماريانو راخوي”، وحجب الثقة عنها بسبب التورط في الفساد[2]. ومنذ ذلك الحين، يحاول سانشيز الحفاظ على منصبه وسط كم هائل من مزاعم الفساد التي تلاحق حكومته.
ولعل آخر تلك الاتهامات التسجيلات الصوتية المسربة للسياسية الاشتراكية السابقة “لير دييز”[3]، المقربة من الحزب الحاكم، تحاول فيها عرقلة تحقيق أجرته وحدة مكافحة الفساد في الحرس المدني (UCO) بشأن قضايا فساد تورط فيها وزير النقل السابق خوسيه لويس أبالوس، وسكرتير الحزب سانتوس سيردان، بتهم تلقي رشاوى بقيمة 600 ألف يورو وتلاعب بعقود عامة، من بينها صفقة أقنعة بقيمة 54 مليون يورو خلال الجائحة[4]. وقد أثارت القضية جدلًا واسعًا، ودعوات لانتخابات مبكرة من المعارضة[5]، قابلها رئيس الوزراء سانشيز برفض قاطع، معلنًا خطة جديدة لمكافحة الفساد[6]، ومؤكدًا بقاء الحكومة حتى انتخابات 2027.
الجدير بالذكر أن شبهات الفساد تلاحق “سانشيز” على الصعيد العائلي أيضًا؛ حيث تخضع زوجته، بيغونيا غوميز، لتحقيقات بشأن استغلال محتمل لنفوذها كزوجة رئيس الوزراء لجذب رعاة لبرنامج ماجستير جامعي كانت تُديره، وهي القضية التي دفعت للتهديد بالاستقالة في أبريل 2024 [7] [8]. كما أوصت وحدة “UCO”، بالتحقيق في وجود شبهات فساد إداري تتعلق بتوظيف شقيق رئيس الوزراء “ديفيد سانشيز” لموظف سابق لديه يُدعى “لويس كاريرو” في منصب مخصص أُنشئ حديثًا في المجلس الإقليمي بمقاطعة باداخوز؛ مما أثار الشكوك حول استغلال شقيق رئيس الوزراء لنفوذه لأغراض شخصية.[9]
وفي ظل تصاعد فضائح الفساد، يواجه سانشيز ضغوطًا من داخل ائتلافه لتوسيع التحقيقات وتبرير الاتهامات السابقة، وسط انتقادات بأن وعوده بالتغيير والتدقيق الوزاري غير كافية. ورغم تمسك الحلفاء بالدعم وعدم وجود مؤشرات على سحب الثقة، تستغل المعارضة اليمينية الأزمة سياسيًا، في مشهد يعيد للأذهان الطريقة التي صعد بها سانشيز إلى السلطة.
الهجرة: “أزمة مستحدثة”
لم تكن إسبانيا، حتى وقت قريب نسبيًا، وجهةً لعديدٍ من المهاجرين، ولم تعانِ من ضغوط الهجرة نفسها التي عانت منها دول أوروبية أخرى. ولكن في العقدين الأخيرين، أصبحت إسبانيا أكثر من مجرد وجهة عبور إلى القارة الأوروبية، خاصةً للمهاجرين من شمال أفريقيا؛ مما جعل هذا الملف يطفو على سطح التحديات التي تواجه الحكومة الحالية، خاصة بعد الحادثة الأخيرة التي اندلع على إثرها تظاهرات واسعة في البلاد عقب تعرض مواطن إسباني يبلغ من العمر 68 عامًا لاعتداء من قبل ثلاثة أشخاص يُزعم أن أحدهم من مهاجري شمال أفريقيا[10]؛ الأمر الذي تحول لاحقًا إلى أعمال شغب عنيفة بتوجيه من جماعات يمينية متطرفة مناهضة للمهاجرين استهدفت الهجوم على المهاجرين وممتلكاتهم.
ولطالما ارتبط ملف الهجرة في إسبانيا بمسألة الأمن والهوية الوطنية أكثر من الارتباط بمسألة نقص العمالة أو المخاوف الاقتصادية، كما هو الحال في دول أوروبا أخرى. ورغم أن المهاجرين أسهموا فعليًا في سد فجوات سوق العمل الإسباني؛ حيث شغلوا ثلثي الوظائف الجديدة بين عامي 2019-2024، إلا أن التيار اليميني أسهم في تعميق مخاوف المواطنين من الهجرة لدرجة تصدّر تلك الأزمة قائمة اهتمامات المواطنين الإسبان يليها البطالة والمشكلات الاقتصادية، وفقًا لاستطلاع رأي نشره مركز البحوث الاجتماعية “CIS” في سبتمبر 2024،[11] وهو ما قد يفرض على الحكومة الحالية تبني مواقف أكثر تشددًا تجاه هذا الملف؛ مما قد يثير توترات داخلية داخل الائتلاف، خاصة مع الأحزاب اليسارية المدافعة عن سياسات الهجرة المنفتحة.
الاقتصاد
تواجه إسبانيا تحديات اقتصادية تمس حياة المواطن اليومية، أبرزها التضخم الذي بلغ 2.3% في عام 2025، إلى جانب ارتفاع تكاليف المعيشة، وأزمات الإسكان والرعاية الصحية والمعاشات. ورغم أن هذه الأزمات جزء من السياق الأوروبي الأوسع، فإنها تُستخدم داخليًا لتغذية الغضب الشعبي، وتغذية سردية المعارضة حول “فشل اليسار” في إدارة الاقتصاد.

ومع ذلك، خرجت إسبانيا بقيادة الحكومة الحالية من أزمات اقتصادية عدة، أبرزها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، بأداء نمو قوي ومتوازن، دون اللجوء لسياسات التقشف، معتمدة على أموال التعافي من الاتحاد الأوروبي لدعم الاستثمارات والإصلاحات المعززة للإنتاجية، بالرغم من أن أموال التعافي كانت مشروطة بإصلاحات هيكلية تسببت في انقسامات حادة داخل البرلمان ولكن تم تجاوزها؛ مما جعل الاقتصاد الإسباني يكون الأسرع نموًا في أوروبا لعام 2024، كما رفع صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية توقعاتهم للنمو في إسبانيا لعام 2025.[12][13]
ورغم مؤشرات النمو القوية، تواجه إسبانيا تحديات اقتصادية حقيقية أبرزها غياب ميزانية عامة للدولة لعامي 2024 و2025، وتأخر كبير في إعداد موازنة عام 2026؛ مما يعكس حالة من الشلل المالي والإداري؛ حيث أن الدولة لا تزال تعتمد على ميزانية عام 2023، التي أُقرت في ديسمبر 2022، كآخر ميزانية أعدتها حكومة سانشيز، دون أي تقدم يُذكر في الخطط اللاحقة،[14] وهو ما قد يثير تحفز الحكومات الأقلية الداعمة للائتلاف وتدعوها للانسحاب.
بجانب ذلك هناك مسألة التعريفات الجمركية الأمريكية التي فرضت 15% على الصادرات الأوروبية للولايات المتحدة، وهي تنعكس بشكل كبير على توقعات النمو والنشاط الاقتصادي الإسباني من جهة، كونه يعتمد بدرجة كبيرة على التجارة الدولية، وخاصة داخل الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى تبرز الحاجة إلى سياسة صناعية واضحة تستهدف تقوية القاعدة الإنتاجية الإسبانية وتقلل التبعية الخارجية، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية.
“اليمين المتشدد”: تهديد سياسي للاستقرار
التيار اليميني في إسبانيا لا يختلف كثيرًا عن نظرائه في باقي أوروبا؛ إذ يعتمد على خطاب شعبوي مليء بالدفاع عن الهوية والقومية، يشكك في الاتحاد الأوروبي ويدافع عن أولوية الدستور الإسباني على القانون الأوروبي. ويتصدر اليمين المشهد السياسي في إسبانيا ككتلة معارضة تتمثل في حزب الشعب اليميني “PP” بقيادة “ألبرتو نونيز فيجو”، وحزب فوكس اليميني المتطرف “Vox” بقيادة “سانتياجو أباسكال”. ورغم صعود فوكس كقوة سياسية مؤثرة، فلا تزال إسبانيا تُبدي مقاومة نسبية للتيار اليميني الصاعد مقارنة بجيرانها الأوروبيين، في ظل فشل تاريخي في ترسيخ نفوذه داخليًا.
وقد أسفرت الانتخابات الإقليمية لعام 2023 عن تشكيل ائتلاف بين حزبي الشعب وفوكس تولّى الحكم في 6 من أصل 17 برلمانًا إقليميًا في إسبانيا. إلا أن حزب فوكس انسحب في يوليو العام الماضي منها جميعًا بعد خلافات تعلقت بسياسة الهجرة[15]. ورغم أن الخطوة بدت مبالغًا فيها، فإنها اندرجت ضمن استراتيجية أوسع لفوكس تهدف إلى شق صف اليمين السياسي وبناء قاعدة انتخابية مستقلة خارج حدود حزب الشعب.
وعن تأثيرات هذا التيار على المشهد السياسي الإسباني الحالي، فبجانب تأجيج المشاعر تجاه المهجرين كما ذكرنا أعلاه، يحاول “حزب الشعب” حاليًا استغلال قضايا الفساد ضد الحكومة، خاصة واقعة التسجيلات المسربة؛ حيث يصور قادة المعارضة تلك التسجيلات كدليل على الانتهاك والتقويض المؤسسي، مع القيام بشتى أنواع الضغط لحث” سانشيز” على الاستقالة وإقامة انتخابات مبكرة.
في المقابل، يواجه حزب الشعب اليميني بدوره أيضًا اتهامات بالفساد حول تورط “كريستوبال مونتور”[16]، وزير المالية السابق الذي أنشأ الفريق الاقتصادي المرتبط بوزارة المالية؛ حيث تلقى ومسئولون كبار ما لا يقل عن 11 مليون يورو من شركات طاقة كبرى بين عامي 2008-2015 في مقابل تسهيلات حكومية وتخفيضات ضريبية والتأثير على السلطات التشريعية والتنفيذية بما يتوافق مع مصالح تلك الشركات.
وتشكل هذه الاتهامات ضربة جديدة للحزب، بل وتقوض مصداقيته في القضاء على الفساد، كما تهيئ فرصًا متساوية في الانتخابات القادمة بتعزيز قناعة عديد من الناخبين بأن الأحزاب السياسية في إسبانيا، سواء اليسارية أو اليمينية، غارقة في فساد لا يمكن إصلاحه. وقد تكون الاستفادة من هذا الوضع في صالح حزب “فوكس”، الذي لم يتولَّ الحكم من قبل؛ مما يمنحه فرصة الادعاء بنظافة سجله السياسي.
الموقف من حرب غزة “بين الرمزية والمصالح”
منذ 7 أكتوبر 2023، تبنّت حكومة “سانشيز” في إسبانيا خطابًا أكثر انتقادًا لإسرائيل مقارنة بمعظم الحكومات الأوروبية؛ مما جعلها تبدو في بعض الأحيان أكثر تقدمية في مواقفها تجاه العدوان على غزة، ويمكن رؤية ذلك من خلال اعترافها (إلى جانب أيرلندا والنرويج) بدولة فلسطين في 28 مايو 2024، ودعمها لقضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في أكتوبر 2024، وتعليقها -الجزئي- لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل، وأخيرًا الدعوة –مع إيرلندا- إلى إجراء مراجعة عاجلة لمدى امتثال إسرائيل لالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب اتفاقيتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.[17]
وترى الحكومة الإسبانية أن الاعتراف بدولة فلسطين ليس مجرد موقف رمزي، بل خطوة ضرورية نحو سلام عادل ودائم في المنطقة، داعية إلى تطبيق فعلي لحل الدولتين. وبرزت إسبانيا بمواقف أكثر حدة تجاه إسرائيل، شملت قطع العلاقات الدبلوماسية في بعض المستويات؛ حيث أعلنت بلدية برشلونة في 30 مايو 2025 عن إنهاء العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية وتجميد اتفاق الصداقة والتوأمة مع تل أبيب[18]، إلى جانب فرض عقوبات على المستوطنين بالضفة الغربية، ووقف تجارة السلع العسكرية[19].
وفي أكتوبر 2024، ألغت الحكومة الإسبانية صفقة توريد ذخيرة بقيمة 6.8 مليون يورو مع شركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية “IMI System LDT” من جانب واحد[20]، بعد ضغط كبير من الشريك اليساري في الائتلاف “سومار” الذي هدد بالانسحاب من الحكومة. لكن هذه الخطوة اصطدمت بتقارير ووقائع ميدانية أضعفت مصداقيتها[21]؛ حيث كشفت استمرار وصول شحنات ذات طابع عسكري إلى إسرائيل عبر موانئ إسبانية، ليتضح أن الشراكة بين الطرفين لم تنتهِ بشكل رسمي.
كما أشار تقرير لمركز “مركز ديلاس لدراسات السلام”[22] إلى شركات أمن ودفاع إسرائيلية أو أخرى مرتبطة بها قد حصلت على 46 عقدًا من مؤسسات إسبانية، تتجاوز قيمتها مليار يورو. ودافعت وزارتا الداخلية[23] والدفاع عن استمرار التعاون بحجة أن فرض حظر شامل على التعاون العسكري أمر “صعب عمليًا”؛ نظرًا لاعتماد إسبانيا على التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات حيوية كالأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي؛ مما يعكس فجوة بين الخطاب السياسي الرمزي والممارسات الواقعية.[24]
وهذا من شأنه إضعاف مصداقية الحكومة خارجيًا وداخليًا، خاصة وأن “سانشيز” يصر على نفي بيع إسبانيا أسلحة لإسرائيل منذ أكتوبر 2023؛ مما يفتح الباب أمام انتقادات محتملة داخل البرلمان مع استمرار الهجوم عليه من قبل الأحزاب اليمينية لفشله في تأمين الذخيرة اللازمة لقوات الأمن المحلية.
الإنفاق الدفاعي
تواجه الحكومة الإسبانية ضغوطًا متزايدة من حلفائها اليساريين، خاصة “سومار[25]، بسبب خطط زيادة الإنفاق الدفاعي من نسبة 1.28% إلى نسبة 2%[26]، وذلك تماشيًا مع التزامات حلف الناتو ومطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط تهديدات متزايدة بالانسحاب من الائتلاف حال استمرار الحكومة في نهج “عسكرة الدولة” الذي من شأنه التأثير بشكل كبير على أولويات الحكومة فيما يتعلق بالخدمات العامة والتعليم والبرامج الاجتماعية.[27]وفي يوم 7 يونيو 2025، شهدت البلاد مظاهرات ضد إعادة التسلح في مدريد شارك بها حوالي ألف شخص ينتمون للأحزاب اليسارية في البلاد.[28]
من جانبه، يصر “سانشيز” على إسبانيا ستظل دولة “مسالمة”، وأن الاستثمارات تهدف بالأساس إلى ردع أي هجوم محتمل على أوروبا، وأن الموازنة الدفاعية الجديدة لن تؤثر على البرامج الاجتماعية القائمة، ولن يتم تحصيلها من الضرائب، بل سيتم الاعتماد على المدخرات العامة الناتجة عن الأداء الجيد للاقتصاد، بجانب أموال الميزانية الوطنية غير المستخدمة، وأموال التعافي من الجائحة غير المستغلة من الاتحاد الأوروبي.[29]
وبشكل عام، وفي ظل التحديات السابقة، ورغم الهشاشة الظاهرة في الائتلاف الحكومي الحالي، فلا تزال هناك عوامل تدعم استمرار الحكومة الحالية حتى انتخابات 2027، من بينها إدراك أهمية الاستقرار والانضباط المؤسسي كضرورة أوروبية في ظل المتغيرات الحالية، هذا بجانب نجاح “سانشيز” –حتى الآن- في كسب الوقت عبر إدارة التوازنات الدقيقة داخل حكومته وتمرير قوانين حساسة رغم المعارضة والضغوط، وإجراء تغييرات داخلية لتفادي الاستقالة.
كما يمكن رؤية “البراغماتية السياسية” الواضحة داخل الائتلاف؛ حيث تدرك معظم مكونات التحالف، بما في ذلك الأحزاب الإقليمية، أن إسقاط الحكومة سيعود بالنفع على اليمين المتطرف، وهو ما تحرص على تفاديه، على الرغم من أنه في حالة سقوط الحكومة، قد لا يملك حزب الشعب وفوكس أغلبية مريحة لتشكيل حكومة بديلة دون الدخول في تحالفات غير مضمونة.
لكن هذه العوامل لا تضمن بالضرورة عدم انهيار الحكومة؛ إذ أن تفاقم الأزمات، خاصة قضايا الفساد أو الخلافات الحادة مع الأحزاب الإقليمية، قد يؤدي إلى انهيار الائتلاف، ويدفع نحو سيناريو انتخابات مبكرة في حال عجز سانشيز عن تقديم التنازلات اللازمة أو مواجهة مذكرة حجب ثقة من المعارضة.