عاجل

ما المقصود بـ الأصل في الأشياء الإباحة.. وكيف نفرق بين التشبه المذموم والمباح؟

شوقي علام
شوقي علام

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، أن الأصل في الأشياء التي خلقها الله في هذا الكون هو الإباحة، ما لم يرد نص شرعي يمنع، أو يثبت ضررها بتجربة علمية موثوقة.

الأصل في الأشياء الإباحة

وأوضح خلال حلقة برنامج "بيان للناس"، المذاع على قناة الناس، أن هناك اختلافًا فقهيًا بين العلماء حول هذه القاعدة الأصولية، مشيرًا إلى أن بعض الفقهاء يرون أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت التحريم، بينما يرى آخرون أن بعض الأمور، خصوصًا أفعال المكلفين، لا بد فيها من وجود حكم شرعي واضح، كما أشار الإمام ابن العربي المالكي، الذي قال إن كل فعل يصدر عن المكلّف يجب أن يُنسب لحكم شرعي – سواء كان وجوبًا أو حرمة أو إباحة – وفقًا لتعريف الحكم الشرعي بأنه "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الاقتضاء أو التخيير أو الوضع".

وأشار الدكتور شوقي إلى أن هذه المسائل تنتمي إلى علم أصول الفقه، وتحتاج لفهم عميق، مؤكدًا أنه مع هذا الخلاف العلمي، يبقى الأصل في الأشياء المخلوقة هو الإباحة، إلا أن يأتي نص يمنع صراحة، كأن يقول الشرع: "لا تشرب كذا"، أو "لا تأكل كذا"، أو "لا تلبس كذا".

وأضاف أن التجربة والخبرة العلمية لها وزن معتبر في الشريعة، فإذا ثبت أن تناول مادة معينة يؤدي إلى ضرر بيّن، فإنها تصبح ممنوعة من باب رفع الضرر، ولو لم يُذكر اسمها صراحة في النصوص الشرعية، لأن من مقاصد الشريعة الكبرى دفع الضرر ورفع الحرج عن الناس.

وأكد مفتي الديار المصرية السابق على أهمية الرجوع لأهل التخصص في مثل هذه الأمور، سواء كانوا فقهاء أو أهل علم تجريبي، قائلاً إن الشرع الشريف اعتبر قولهم حجة في تقدير وجود الضرر من عدمه.

التشبه المذموم والتشبه المباح

كما قال الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، إن الإمام محمد عبده، حين سئل عام 1903 من جنوب أفريقيا (من منطقة ترانسفال تحديدًا)، عن حكم ارتداء "البرنيطة" – وهو زي دخيل جاء به المستعمرون الأوروبيون – أجاب إجابة تدل على فكر متزن وفهم دقيق لأحكام الشريعة.

وأوضح الدكتور شوقي، خلال حلقة برنامج "بيان للناس"، المذاع على قناة الناس، أن السؤال الموجه للإمام عبده كان: هل إذا لبس المسلم زيًّا شبيهًا بزيّ المستعمرين يعد ذلك تشبهًا محرّمًا؟، مشيرًا إلى أن الإمام لم يكتفِ بالنظر إلى ظاهر الحديث النبوي الشريف "من تشبه بقوم فهو منهم"، بل بيّن أن هذا الحديث لا يُؤخذ على إطلاقه، وإنما يُفهم في سياق محدد.

وأضاف مفتي الجمهورية السابق أن الإمام محمد عبده فرّق بوضوح بين التشبه الظاهري في المظهر أو العادات الاجتماعية، وبين التشبه المذموم الذي يحمل في طياته تحولًا فكريًا وعقديًا يجعل الإنسان ينقل ولاءه واعتقاده من الإسلام إلى غيره.

وقال: "التشبه المذموم هو ما يجزم به الإنسان اعتقادًا وضميرًا، ويؤدي به إلى ترك خصوصية الإسلام والانتقال إلى دائرة أخرى عقدية وسلوكية، أما مجرد ارتداء زي معين لا يحمل هذه الدلالة، فهو من العادات وليس فيه مخالفة شرعية".

وأشار الدكتور شوقي علام إلى أن الإمام محمد عبده أجاب حينها قائلًا: "لا حرج في لبس البرنيطة"، معتبرًا إياها عادة اجتماعية وليست من صميم العقيدة أو من مظاهر التشبه المذموم.

كما لفت إلى أن هذا الموقف يأتي ضمن إطار أوسع من الاجتهاد الإسلامي، الذي شهد له الإمام عبده، مستدلًا بتعامل الصحابة الكرام أنفسهم في زمن الفتوحات، حين أخذوا بما هو نافع من ثقافات الأمم الأخرى، مؤكدًا أن الإسلام لا يمنع الاستفادة من تجارب الآخرين ما دامت في مصلحة الإنسان ولا تمس جوهر العقيدة.

وتابع: "الأصل في الأشياء الإباحة، لقوله تعالى: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا"، فالعموم في الآية يدل على أن الله خلق كل ما في الأرض لخدمة الإنسان، لا عبثًا، بل ليستفيد به ويعمر الأرض".

تم نسخ الرابط