ورشة عمل حول تداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية على أزمات منطقة الشرق الأوسط

عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ورشة عمل بعنوان "تداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية على أزمات منطقة الشرق الأوسط" بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية،وذلك بمقر المؤسسة في القاهرة، وبحضور الدكتور عمرو الشوبكي، مستشار المركز، والدكتور محمد عباس ناجي، الخبير بالمركز، ومهاب عادل الباحث المشارك بالمركز، وأدار الندوة الدكتور معتز سلامة، الخبير بالمركز.
تداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية على أزمات منطقة الشرق الأوسط
ألقت الأستاذة ندى مهدي، مديرة البرامج بمؤسسة كونراد أديناور، كلمة ترحيب بالحاضرين، كما أوضحت أهمية توقيت عقد تلك الورشة بغرض استعراض وتحليل تداعيات الأزمة التي نشبت في منطقة الشرق الأوسط على إثر المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وإيران، وأوضحت وجهة النظر التي تتبناها ألمانيا تجاه الأزمات الأخيرة المتلاحقة في الشرق الأوسط، وموقف المستشار الألماني من السياسات الإسرائيلية تجاه الأزمة الإنسانية في غزة والذي دعا إلى ضرورة الضغط على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وأشارت إلى أن الأحزاب الألمانية، خاصة الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا الذي تعتبر مؤسسة كونراد جزءاً منه، ترى أن هناك خطراً يتزايد مع ارتفاع معدلات وكميات تخصيب إيران لليورانيوم التي فاقت الحد الأقصى المتفق عليه مع الدول الأوروبية، في ظل تضائل دور الاتحاد الأوروبي كلاعب ووسيط دولي في إنهاء الصراعات والتوصل لحلول في الأزمات في الشرق الأوسط.
وأكد الدكتور معتز سلامة على أهمية تحليل تداعيات الأزمة التي ما زالت تلقي بظلالها على المنطقة، كما أن إسرائيل لازالت تستغل زخم الحرب، والتي تمثل حلقة ضمن استمرار العنف في المنطقة. وتوحي المؤشرات قصيرة الأمد بأن إسرائيل استطاعت تعطيل المشروع النووي الإيراني ولو إلى حين، ولكن المؤشرات بعيدة الأمد تقول أن التوترات بين البلدين لازالت تلقي بظلالها على المنطقة، والتي تقف في مفترق طرق بين تصورين للأمن: فرض الأمن بالقوة العسكرية وهو ما تتبناه إسرائيل، وفرض الأمن الرضائي من خلال التوافق بين بلدان المنطقة بهدف التعايش السلمي والرخاء والتهدئة، وللأسف هذه الرؤية ليست متحققة وليس لها منظور قريب.
وأوضح الدكتور محمد عباس ناجي، الخبير بالمركز، أسباب نشوب الحرب في هذا التوقيت بالتحديد، والمرتبط بزيادة إيران معدل التخصيب وكميات اليورانيوم المخصبة لديها، فضلاً عن تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث كانت تتحسب إسرائيل في السابق للمواجهة مع إيران لأنها محاصرة من شبكة من التنظيمات التابعة لإيران، الأمر الذي كان من الممكن أن يزيد من تكلفة المواجهة العسكرية معها، ولكن بعد خروج العديد من هذه التنظيمات من معادلة الردع الإقليمي وعلى رأسها حزب الله، وسقوط نظام الأسد، لم تعد إسرائيل ترى أن كلفة المواجهة العسكرية مع إيران ما زالت كما كانت عليه قبل نحو عام. كما سعت إسرائيل أكثر من مرة لاستدراج إيران للتصعيد العسكري المباشر معها. وحتى اليوم، لا أحد يستطيع الجزم بحجم الضرر الذي تعرض له البرنامج النووي الإيراني، وخاصة مفاعل فوردو، بعد الضربة العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة له.
كما أشار د. ناجي إلى أنه على الجانب الآخر، لا أحد ينكر أن ما شهده الداخل الإسرائيلي من أضرار أثناء حرب الـ "12 يوم" لم تشهده إسرائيل منذ تأسيسها في 1948، وهو ما يدل على دقة الصواريخ الإيرانية التي وجهت ضرباتها للأهداف الإسرائيلية بدقة. ولعل أحد أكبر الأخطاء التكتيكية التي ارتكبتها إسرائيل في تلك الحرب هي محاولة تكرار نمط حربها مع حزب الله في لبنان في حربها مع إيران، لكن الحرب ضد تنظيم تختلف تماماً عن الحرب ضد دولة بحجم إيران لديها عمق استراتيجي كبير، مع اختلاف القدرات العسكرية بين حزب الله وإيران، وهو ما كان له دور في قبول إسرائيل إنهاء الحرب مع إيران نتيجة حجم الأضرار التي منيت بها.
وانتهى د. ناجي إلى استنتاج مفاده أن إيران لن تغير سياستها بسهولة، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإقليمي، وهو أحد دعائم بقاء النظام في إيران، كما لا توجد مؤشرات في المدى القريب على سقوط النظام الإيراني، وصعوبة تكرار النموذج السوري في إيران، لاختلاف القواعد الاجتماعية والدينية المؤيدة للنظام في إيران عن تلك التي كانت تؤيد الأسد في سوريا.
ثم استعرض الأستاذ مهاب عادل، تداعيات حرب الـ "12 يوم" على تحولات الداخل الإسرائيلي وانعكاسات ذلك على فرص التهدئة في غزة، كما تناول عدداً من الأهداف المشتركة للحربين ضد إيران وقطاع غزة، وهي: تعزيز سردية "النصر المطلق" التي تروج لها إسرائيل دائماً في كل حروبها مؤخراً في الشرق الأوسط، وتقويض "محور الممانعة" الذي تقوده إيران في المنطقة، وتفريغ حواضن الدعم الإقليمي لحركات المقاومة الفلسطينية، وفرض معادلة السلام بالقوة وتمرير رؤية الشرق الأوسط الجديد بما يخدم مصالحها.
كما عرض لحالة الداخل الإسرائيلي ودرجة التماسك والاستقطاب والثقة في المؤسسات الحكومية الإسرائيلية قبل وبعد 7 أكتوبر 2023 وفي أثناء الحرب على إيران. إذ أظهرت استطلاعات الرأي في إسرائيل رغبة الجمهور في الذهاب لأبعد من مجرد المواجهة العسكرية إلى إسقاط النظام الإيراني. كما أدت المواجهة مع إيران إلى توحيد معظم الأحزاب حتى الدينية رغم الخلاف على مسألة تجنيد الحريديم في الأسابيع القليلة التي سبقت الضربة العسكرية الإسرائيلية. ورغم أن الهوى في الشارع الإسرائيلي هو هوى يميني بالأساس، إلى أن نسبة الذين ذهبوا إلى ضرورة عقد صفقة شاملة للإفراج عن الرهائن ارتفعت من 68% إلى 71% من ضمنهم يهود متطرفين.
وختم الأستاذ مهاب كلمته بطرح عدد من السيناريوهات، ما بين عقد اتفاق تهدئة جزئي بين إسرائيل وحركة حماس، وعقد اتفاق تسوية شامل وهو مستبعد قليلاً، والمراوحة بين السيناريوهين.
وعلى صعيد الموقف الأوروبي من الوضع الراهن في الشرق الأوسط، عرض الدكتور عمرو الشوبكي رؤيته، إذ أوضح المشكلة البنيوية التي ستظل تعيق اتخاذ القرارات على مستوى السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. فمن جانب، تفضل الكثير من دول أوروبا المظلة الأمنية الأمريكية وأن تتحمل الولايات المتحدة معظم المسئولية والتكلفة الأمنية وتتفرغ أوروبا إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي لمواطنيها بدلاً من توجيه جزء من الموارد إلى الإنفاق العسكري، في حين برزت بعض الأصوات الأوروبية المنحازة لمسألة استقلالية القرار الأوروبي في مسائل الإنفاق العسكري وعليه تسعى لتعزيز استراتيجية الأمن من خلال إنشاء الجيش الأوروبي.
كما أوضح أن تلك المشكلة البنيوية انعكست على فاعلية الاتحاد الأوروبي في التعامل مع القضايا في منطقة الشرق الأوسط، فالجميع يعلم أن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة هو في يد الجانب الأمريكي حصراً، حتى بالرغم من كل الزخم الإعلامي الذي تحشده بيانات الدول الأوروبية المختلفة بما فيها البيان الأخير الذي وقعت عليها 25 دولة أوروبية ودعت فيه إسرائيل لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية.
ويشير د. الشوبكي إلى أن الخطاب الأوروبي -في ظل إدارة ترامب الحالية- يشبه نظيره في فترة الستينات الذي كان يتحدث عن الاعتماد على الذات والقدرات الأوروبية. ولذا، يتوقع أنه في المستقبل القريب ستحاول أوروبا إنشاء مشروع يعزز من قدراتها الذاتية، ولكن في السنوات الثلاث المتبقية من إدارة ترامب، سيكون أمام أوروبا تحدي إعادة النظر في بعض جوانب الاتحاد الأوروبي، كطبيعة عمل الاتحاد وشكله في المستقبل ومرونته أمام التحديات الجيوسياسية، أو على الأقل تعزيز فاعليته في ظل الوضع الحالي على مستوى السياسة الخارجية.
وختم الشوبكي كلمته بالإشارة إلى أن تجربة الاتحاد الأوروبي تظهر الإشكالية التقليدية التي تنتج عن الاتحاد بين دول كل منها ذات سيادة، ورغم براعة تجربة هذا الاتحاد، لكن ظلت قضايا السياسة الخارجية والدفاعية هي الثغرة الرئيسية في نموذج التكامل مما يستلزم التعامل معها بشكل مختلف.