عاجل

مرحلة جديدة من الوعي الرقمي|مفتي الجمهورية يتحدث عن صناعة المفتي الرشيد (حوار)

مفتي الجمهورية في
مفتي الجمهورية في حواره لـ نيوز رووم

د. نظير عياد لـ نيوز رووم:

  • المؤتمر الـ 10 إعلان مؤسسي عن دخول الإفتاء مرحلة جديدة من الوعي الرقمي
  • جعلنا الذكاء الاصطناعي جزءا من مشروعنا المستقبلي
  • رؤيتنا تقوم على بناء مفتي يجمع بين العمق الشرعي والقدرة التقنية والرؤية العالمية
  • نحتاج إلى "مفتي رشيد" يوازن بين المقاصد والمصالح ويقدر فقه المآلات
  • الفتوى العابرة للحدود من أخطر ما نواجهه في الوقت الراهن

تنطلق على مدى يومي 12-13 أغسطس الجاري، فعاليات المؤتمر الدولي العاشر للأمانة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت عنوان “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي، وفي حوار خاص لـ "نيوز رووم" كشف الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة نستعرض أهداف المؤتمر وملامحه، ولماذا نحتاج إلى المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي، وإلى نص الحوار،،

في البداية.. كيف تتكامل أهداف هذا المؤتمر الهام مع رؤية دار الإفتاء المصرية؟

يعكس عنوان المؤتمر الدولي العاشر للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، انشغالنا العميق بتحقيق تحول جذري في بنية المعرفة الدينية، وفي وظائف المفتي ومكانته وأدواته، وقد حددنا من خلال تصورنا للمؤتمر بوضوح مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي نسعى لتحقيقها، من أبرزها: تأصيل منهجي لمفهوم المفتي الرشيد العصري، عبر ربطه بالاجتهاد المؤسسي، والوعي المقاصدي، والقدرة على مخاطبة العصر، ووضع أطر علمية وأخلاقية واضحة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الإفتائي، من حيث التوظيف والتقنين والرقابة.

د. نظير عياد يتحدث لـ نيوز رووم
د. نظير عياد يتحدث لـ نيوز رووم

وكذلك إبراز أهمية بناء عقل إفتائي رقمي جماعي، يتجاوز الاجتهاد الفردي المحدود، ويتكامل مع الخبرات المؤسسية العالمية، وتوفير منصة لتبادل التجارب الناجحة بين دور وهيئات الإفتاء في مختلف دول العالم، خاصة فيما يتعلق بتدريب المفتين وتأهيلهم تقنيًا وشرعي، إضافة إلى إطلاق حوار عالمي حول مستقبل الفتوى ووظائفها في ظل التحولات الرقمية، والنوازل المتجددة، وحالة السيولة الفكرية التي يعيشها كثير من المجتمعات.

وهذه الأهداف لا تنفصل عن الرؤية الكبرى لدار الإفتاء المصرية، التي تؤمن بأننا بحاجة إلى مفتي يجيد فن التأصيل وفهم التحول، ويجمع بين فقه النص، وفقه العصر، وفقه الوسيط، في آنٍ واحد، ولذلك، فإن هذا المؤتمر لا يعد فقط مناسبة علمية، بل هو إعلان مؤسسي عن دخول الإفتاء مرحلة جديدة من الوعي الرقمي، والاجتهاد المقاصدي، والتواصل العالمي الرشيد.

يناقش المؤتمر الدولي العاشر هذا العام خمسة محاور أساسية تمثل رؤوسا معرفية ومنهجية لصناعة المفتي في بيئة رقمية متسارعة وفقا لما أعلنتم عنه في الورقة التصورية للمؤتمر، فما هي هذه المحاور؟ وما دلالات اختيارها؟

بالفعل تدور نقاشات المؤتمر هذا العام حول خمسة محاور رئيسة، تمثل بنية معرفية متكاملة لإعادة التفكير في تكوين المفتي وبيئة الإفتاء في ظل الطفرة الرقمية والتحولات العالمية، هذه المحاور لم تأتِ عشوائيًا، بل تعكس إدراكا واعيا لطبيعة التحديات المتداخلة التي نواجهها اليوم، حيث يأتي المحور الأول: تكوين المفتي الرشيد العصري، ويعنى بتأهيل المفتي علميا وواقعيا ليفهم قضايا البيئة، والعلاقات الدولية، والتحديات المجتمعية.

بينما يناقش المحور الثاني: الإفتاء في عصر الذكاء الاصطناعي، ويبحث في الضوابط الشرعية والأخلاقية لاستخدام هذه التقنية في المجال الإفتائي، فيما يناقش المحور الثالث: المفتي الرشيد في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي، ويركز على قدرة المفتي على التعامل مع الفتاوى المؤتمتة، والمحتوى المضلل، ومخاطر التزييف.

كما يتناول المحور الرابع: الذكاء الاصطناعي وتطوير العمل المؤسسي الإفتائي، ويستعرض دور التقنية في تعزيز البنية المؤسسية للفتوى وتنظيم بياناتها، وأخيرا يناقش المحور الخامس: تجارب مؤسسات الفتوى، ويبرز أهمية تبادل الخبرات العالمية في تأهيل المفتي وتطوير أدواته في البيئات الرقمية المختلفة.

وهذه المحاور تعكس رؤية دار الإفتاء في بناء مفتي يجمع بين العمق الشرعي، والقدرة التقنية، والرؤية العالمية.

تعد دار الإفتاء المصرية من أوائل المؤسسات الدينية التي اخترقت الفضاء الإلكتروني وفعلت حضورها الرقمي على مستوى عالمي، هل يساعد هذا السبق في الانتقال بسلاسة إلى عصر الذكاء الاصطناعي وصناعة المفتي الرشيد؟

نعم، فقد أدركت دار الإفتاء منذ سنوات أن الفضاء الإلكتروني لم يعد هامشا، بل أصبح البيئة المركزية لتشكيل الوعي الديني والتفاعل مع الشأن العام، ولهذا بدأت دار الافتاء مبكرا في بناء وجود رقمي مؤسسي فاعل، يقوم على الاحترافية والانضباط الشرعي، وليس فقط الحضور الشكلي.

ولا شك أن تجربة الدار الرقمية سبقت كثيرا من المؤسسات، حيث كانت من أوائل المؤسسات الدينية التي أطلقت منصات متعددة اللغات، ونوافذ للفتوى عبر وسائل التواصل، وتطبيقات ذكية مثل "فتوى برو"، وهذا السبق يمكننا من استيعاب التحولات التكنولوجية بطريقة ممنهجة، ويؤهلنا للانخراط الواعي في عصر الذكاء الاصطناعي، دون ارتباك أو تخوف، بل بمرجعية شرعية ومنهج علمي رصين، فبدلا من أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي كرد فعل، جعلناه جزءا من مشروعنا المستقبلي، وخصصنا له مؤتمرا كاملا نناقش فيه الضوابط، والإمكانات، والتحديات، لنؤسس من خلاله لصناعة المفتي الرشيد الذي يملك أدوات العصر، ويحفظ روح الفقه، ويتحدث إلى الناس بلغتهم، دون أن يفرط في ثوابت الشريعة.

هل أصبح حضور المفتي في الفضاء الرقمي ضرورة شرعية ومجتمعية موازية لحضوره العلمي؟

السؤال يلامس جوهر التحول الذي نناقشه في هذا المؤتمر، وهو: كيف تنتقل الفتوى من نسقها الكلاسيكي إلى فضاء رقمي دون أن تفقد روحها؟، وفي الحقيقة، المجتمع لا يرفض التغيير بطبعه، لكنه يرفض التغيير الفج غير المؤصّل، وهنا تأتي مسؤولية المؤسسة الدينية في إدارة هذا التحول بمسؤولية ووعي، فقد اعتادت المجتمعات على صورة معينة للفتوى: شيخ يجلس في مهابة، والمستفتي يجثو أمامه يسأله، لكننا الآن أمام جيل يتلقى المعرفة من خلال شاشة، ويتفاعل مع النصوص عبر تطبيقات، ويقيس المصداقية بالوصول الرقمي.

والسؤال إذن ليس: هل يتقبل المجتمع الفتوى عبر الذكاء الاصطناعي؟ بل: هل قدمت المؤسسات الدينية هذا النمط الجديد بمصداقية، وتأصيل، ومرونة دون تفريط؟. والإجابة أننا في دار الإفتاء المصرية أدركنا مبكرا أن الفضاء الرقمي لم يعد خيارا، بل ضرورة فقهية واستراتيجية، لا لنجاري الجمهور، بل لنوجه الخطاب وفق أصوله، وبوسائطه المعاصرة.

من هنا، بات على المفتي أن يكون حاضرًا رقميًا كما هو علميا، لأن الغياب عن هذا الفضاء يترك الناس فريسة لخطابات سطحية، أو لأدوات ذكية بلا ضمير شرعي. والفقيه الذي لا يفقه منطق المنصة ومنهجيات التلقي في البيئة الرقمية، سيكون غائبا حتى وإن حضر.

لماذا مصطلح "المفتي الرشيد" وليس الرقمي أو العصري؟

لأن الرشد هو القيمة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين العلم والحكمة، وبين الفهم والرحمة، كما ان اختيار مصطلح "المفتي الرشيد" لم يكن قرارا لغويا أو تسويقيا، بل هو اختيار مفاهيمي عميق، نابع من رؤية شرعية تتجاوز الانبهار بالتقنية، وتسعى إلى بناء عقل إفتائي متزن جامع بين الشرع والعصر، فنحن لا نريد مجرد مفتي يعرف كيف يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، بل نريد مفتيا يحكم استخدامه بتقوى، وبصيرة، ومقصد، ومصلحة.

الرشد في القرآن الكريم ليس مجرد نضج فكري، بل مقام من مقامات التوازن والتكليف الشرعي، وفي ذلك قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: 6]، وهذا يدل على أن الرشد شرط للتصرف في المال، فكيف لا يكون شرطًا للتصرف في الدين والفتوى؟، كما وصف الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ﴾ [الأنبياء: 51]، والرشد هنا بمعنى الهداية التكوينية لا مجرد المعرفة.

لذلك، نحن لا نكتفي بـ"مفتي رقمي" يعرف أدوات التحليل والرد عبر التطبيقات، ولا بـ"مفتي عصري" يتابع المستجدات السريعة، بل نحتاج إلى "مفتي رشيد" يوازن بين المقاصد والمصالح، ويقدر فقه المآلات، ويبصر أثر الفتوى على الفرد والمجتمع والدولة.

فالرشد مطلب إلهي في كل مواقف التحدي والتغير، وهذا بالضبط ما نحتاجه اليوم مفتي رشيد في زمن التداخل المفاهيمي، والسيولة المعرفية، والانفجار التقني، لا يكتفي بالوصف، بل يحسن الفهم، ويحسن البيان، ويضبط الفتوى على ميزان الرحمة والمصلحة العامة.

مفتي الجمهورية في حواره لـ نيوز رووم
مفتي الجمهورية في حواره لـ نيوز رووم

في إطار الحديث عن الذكاء الاصطناعي، هل تميزون بين استخدام هذه التقنيات في المجال الإفتائي والمجالات الطبية أو الاقتصادية مثلا؟

بلا شك لكل مجال حساسيته، والفتوى تمتاز بخصوصية بالغة، لأنها لا تتعلق بالمعلومة فحسب، بل بالمقصد والنية والحالة النفسية والاجتماعية للسائل، قد يستخدم الذكاء الاصطناعي في الطب لتحليل كم كبير من المعطيات، لكن في الإفتاء لا يجوز أن تفهم المسألة مجردًا عن سياقها الإنساني والشرعي.

ولهذا نحن نفرق بين "الفتوى المعرفية" و"الفتوى الاجتهادية"، الأولى يمكن أن يساعد فيها الذكاء الاصطناعي، والثانية يجب أن تبقى في يد المفتي الذي يملك ملكة الترجيح، ويقرأ خلف السؤال، ويتعامل مع الإنسان لا النص وحده.

كيف تتعاملون مع الفتوى العابرة للحدود؟ وهل يمكن أن يراعى الإفتاء عبر أدوات الذكاء الاصطناعي الفروق الثقافية والمذهبية؟

الفتوى العابرة للحدود من أخطر ما نواجهه في الوقت الراهن، فالناس قد يتلقون فتوى من سياق فقهي مختلف، ويسقطونها على واقعهم، مما يحدث خللًا كبيرًا في التدين والتطبيق.

والذكاء الاصطناعي يزيد من تعقيد هذه الإشكالية، لأن النظام الواحد قد ينتج إجابة لا تراعي الفوارق الثقافية والمذهبية، وهنا يأتي دور المؤسسات، ومنها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تسعى إلى مناقشة القضية والوقوف على موطن الداء وربطه بسياقه المحلي، وهو ما نأمل الى الوصول له بالتعاون مع الشركاء وعلماء الدين والإفتاء وخبراء التقنية، من خلال النسخة العاشرة للمؤتمر العالمي المرتقب للأمانة العامة والذى يحمل عنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي".

تم نسخ الرابط