«حماية وضمان».. كشف ملامح قانون الإيجارات القديم للمالك والمستأجر

في خطوة تشريعية وصفها كثيرون بالتاريخية، أعلنت الحكومة المصرية، من خلال مؤتمر صحفي عقده الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وبحضور المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والتواصل السياسي، تفاصيل تطبيق قانون الإيجار القديم الجديد، الذي طال انتظاره لعقود من الزمن.
ووسط جدل واسع وقلق مجتمعي، قدم المستشار فوزي طمأنة حاسمة للمواطنين، موضحًا أن القانون الجديد لا يهدف إلى الطرد أو الإخلاء القسري، وإنما إلى تصحيح أوضاع قانونية غير عادلة استمرت لعقود طويلة، وفقًا لأحكام دستورية واضحة ورؤية سياسية متزنة.
تاريخ التنفيذ وحدود العقود
أكد المستشار محمود فوزي أن القانون الجديد لا يسري على كافة عقود الإيجار، بل وضع حدًا فاصلاً زمنيًا واضحًا: العقود المبرمة اعتبارًا من 31 يناير 1996 لا تخضع لأحكام قانون الإيجار القديم، وتظل هذه العقود قائمة وسارية بكامل شروطها.
وأوضح محمود فوزي أن أي عقد إيجار تم بعد هذا التاريخ، أيا كانت مدته أو قيمته الإيجارية، يظل خاضعًا لقانون "شريعة المتعاقدين"، وهو ما يعني أن العلاقة بين المالك والمستأجر محكومة فقط باتفاق الطرفين، بعيدًا عن تدخل الدولة.
فترات سماح للانتقال الآمن
أما بالنسبة للعقود القديمة، التي أُبرمت قبل 31 يناير 1996، فأكد المستشار محمود فوزي أن القانون الجديد يمنح فترة انتقالية معقولة، تُقدَّر بسبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، تتيح لجميع الأطراف التكيف وتدبير أوضاعهم.
وشدد محمود فوزي على أن "تحرير العلاقة" لا يعني الطرد أو الإخلاء الفوري، بل هي دعوة للتفاوض مجددًا على شروط العلاقة الإيجارية، سواء من حيث المدة أو القيمة، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للتفاهم والتعاقد الحر بين الطرفين.
خيارات المستأجر
إذا لم يتم الاتفاق بين الطرفين بعد انتهاء مدة السنوات الانتقالية، فإن المالك يملك الحق في استرداد وحدته السكنية، لكن دون أن يُترك المستأجر بلا مأوى، إذ أوضح فوزي أن هناك بدائل واضحة للمستأجر في هذه الحالة، ستوفرها الدولة.
وأكد محمود فوزي أنه في حال توصل الطرفان إلى اتفاق، سيكون هناك عقد إيجاري جديد بالكامل، غير خاضع للقانون السابق، بل تُنظَّم شروطه باتفاق حر بين الطرفين دون تدخل حكومي.
خطوات تطبيق القانون
أشار المستشار محمود فوزي إلى أن الخطوة الأولى في تنفيذ القانون ستكون بصدور قرار من رئيس مجلس الوزراء يتضمن آليات الحصر العقاري وقواعد تشكيل اللجان المختصة، مشددًا على ضرورة احترام القواعد الدستورية في كل خطوة.
وسيلي ذلك قرارات من المحافظين بتشكيل لجان الحصر والتقييم، وفق ثلاث فئات واضحة: المميزة، والمتوسطة، والاقتصادية، موضحًا أن عمل هذه اللجان سيستمر لثلاثة أشهر قابلة للتمديد لثلاثة أشهر أخرى، مع التأكيد على جاهزيتهم للانطلاق الفوري.
الرقمنة في خدمة المواطن
أكد محمود فوزي أن وزارة الإسكان، بالتعاون مع الجهات المعنية، ستُطلق منصة إلكترونية لتلقي طلبات المتأثرين من تطبيق القانون، داعيًا المواطنين لتقديم المستندات المطلوبة في إطار من الشفافية والدقة.
ولم تغفل الدولة المواطنين غير القادرين على التعامل مع المنصات الرقمية، حيث سيتم توفير نماذج الطلبات في جميع مكاتب البريد على مستوى الجمهورية، لضمان وصول الخدمة إلى الجميع.
نظام سكني متعدد الفئات
سيتم التعامل مع الطلبات وفق معايير محددة مسبقًا، وسيُتاح أمام المواطنين أكثر من مستوى للسكن البديل، يتضمن السكن الاقتصادي، والمتوسط، والمميز، وذلك عبر أنظمة متعددة تشمل الإيجار والإيجار التمليكي والتمليك.
شدد محمود فوزي على أن الضمان في هذا البرنامج لن يرتبط بشخص أو فئة عمرية، بل سيكون الضمان في الوحدة السكنية ذاتها، ما يضمن عدالة التوزيع وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
خلفيات إصدار القانون
أشار محمود فوزي إلى أن القانون رقم 164 لسنة 2025 صدر بعد نقاشات موسعة في مجلس النواب، شهدت جلسات استماع وعرضًا لكافة وجهات النظر، ما يعكس شفافية العملية التشريعية ومدى تفاعلها مع متطلبات الشارع المصري.
وأوضح محمود فوزي أن صدور القانون جاء استنادًا إلى حكم المحكمة الدستورية العليا في عام 2024، والذي قضى بعدم دستورية النصوص التي تُثبّت الأجرة دون تحريك، ما استلزم معالجة تشريعية شاملة، لا تقتصر فقط على تحرير الأجرة بل على إعادة تنظيم العلاقة برمتها.
إنقاذ الثروة العقارية
أكد محمود فوزي أن من أهم أهداف القانون هو إنقاذ الثروة العقارية المصرية، التي أهملت نتيجة ثبات الأجرة وغياب الحافز على الصيانة، مشيرًا إلى أن كثيرًا من العقارات القديمة مهددة بالانهيار بسبب انعدام الجدوى الاقتصادية من الإبقاء عليها.
كما يهدف القانون إلى معالجة أزمة المساكن الخالية غير المستغلة، والتي بلغت نسبتها أرقامًا ضخمة، نتيجة وجود عقود إيجار بقيم رمزية لا تتناسب مع القيمة السوقية للمكان.
حماية المستأجر من التشريد
طمأن محمود فوزي الرأي العام بقوله: "لا يوجد إخلاء بقوة القانون"، موضحًا أن الاسترداد لا يتم إلا بعد انقضاء الفترة القانونية ورفض المستأجر التفاوض، وعندها فقط يمكن للمالك التوجه للقضاء، مع التزام الدولة الكامل بعدم ترك أي مواطن بلا مأوى.
وكشف محمود فوزي أن القانون نص على ضرورة إخطار المستأجر المستحق قبل عام من انتهاء المدة القانونية، وهو ما يمنح المواطن فرصة كافية لتوفيق أوضاعه، ويمنع أي مفاجآت قد تمس الاستقرار الأسري.
استمرارية الدولة تضمن التنفيذ
أكد محمود فوزي أن الحكومة وضعت تصورًا طويل المدى لتطبيق القانون، يضمن استمرارية تنفيذه حتى لو تغيّر الفريق الحكومي، مشددًا على أن القانون ذاته يُعد إطارًا دائمًا، ولا يرتبط بوجود حكومة بعينها.
وأشار محمود فوزي إلى أن رئيس مجلس الوزراء عقد اجتماعات مكثفة مع الجهات المعنية لتحديد السيناريوهات التنفيذية، مؤكدًا أن الدولة مستعدة لتوفير العدد اللازم من الوحدات البديلة عند بدء التطبيق الفعلي بعد سبع سنوات.
الاستعداد يعكس جدية التنفيذ
أكد محمود فوزي أن الحكومة لا تنحاز إلى المالك على حساب المستأجر، ولا العكس، بل تتعامل مع أزمة مزمنة وفقًا لاعتبارات العدالة الاجتماعية والاقتصادية، موضحًا أن مصر، كغيرها من الدول، واجهت هذه الأزمة، وها هي اليوم تعالجها بمسؤولية.
واستشهد محمود فوزي بقانون تحرير عقود إيجار الأراضي الزراعية في 1992، الذي منح فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، وكذلك القانون رقم 10 لسنة 2022 الذي نظّم إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية غير السكنية خلال خمس سنوات، مشيرًا إلى أن مثل هذه الإجراءات سبق أن طُبّقت ونجحت.
تجارب سابقة مماثلة
ختامًا، شدد محمود فوزي على أن الدولة المصرية تتعامل مع هذا الملف بأقصى درجات الهدوء، التدرج، والحكمة، بعيدًا عن المفاجآت أو القرارات المتسرعة، موضحًا أن الهدف هو التوازن بين حقوق المالك وكرامة المستأجر.
وفي ختام المؤتمر، أكد محمود فوزي أن تطبيق هذا القانون هو انتصار للمصلحة العامة، وليس لتصفية الحسابات أو لإرضاء طرف دون آخر، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية نجحت في عبور تحدٍ اجتماعي وقانوني كبير بإصدار هذا القانون.