عاجل

منذ عقود، شكّل لبنان ساحةً متقدمة في الصراع العربي – الإسرائيلي، ودفعت البلاد ثمناً باهظًا نتيجة التداخل بين القضية الفلسطينية والانقسام الداخلي. ففي سبعينيات القرن الماضي، تباينت مواقف القوى اللبنانية بشأن وجود المقاومة الفلسطينية، ما ساهم في اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، حيث تحالفت بعض الأطراف اللبنانية مع فصائل فلسطينية ودول المواجهة، وتحول جنوب لبنان إلى خط تماس مباشر مع إسرائيل.

لاحقًا، برز حزب الله بعد اجتياح 1982، وسرعان ما أصبح القوة العسكرية الأبرز في الجنوب. وقد تعزز حضوره بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000، ثم بعد حرب تموز 2006 التي ثبت فيها الحزب معادلة "الردع"، رغم الكلفة البشرية والمادية العالية.

إلا أن هذه المحطات، رغم رمزيتها في الصراع مع إسرائيل، فتحت باب الانقسام الداخلي من جديد، خاصة مع تمسّك الحزب بسلاحه، خارج إطار الدولة، واتهامه من خصومه السياسيين بالتفرد بالقرار الأمني والعسكري.

لبنان في لحظة حاسمة: بين نزع السلاح أو مواجهة الفتنة

اليوم، يقف لبنان عند مفترق طرق، أمام أزمة نزع سلاح حزب الله، التي تتداخل فيها اعتبارات السيادة، والمواقف الطائفية، والضغوط الخارجية، ليجد اللبنانيون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ.

الخيار الأول يتمثل في المضي نحو نزع سلاح الحزب، وهو ما يرفضه الحزب بقوة، معتبرًا سلاحه جزءًا من استراتيجية الدفاع عن لبنان، في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية. ورغم هذا الرفض، فإن الحزب لطالما أكد أنه لن يدخل في مواجهة مع الجيش اللبناني، في موقف يعكس حرصًا على السلم الأهلي، ويُحسب له في ميزان التقدير الوطني.

كما سجّل الحزب مواقف توفيقية مهمّة في لحظات مفصلية، منها موافقته على انتخاب الرئيس ميشال عون، وقبوله بتكليف تمام سلام تشكيل الحكومة، في وقت كانت فيه موازين القوة تميل لصالحه. وهذا ما يؤكد أن نهج الحزب كان حريصًا، في أوج قوته، على استقرار المعادلة اللبنانية، وعدم الزج بالبلاد في صدام داخلي.

الخيار الثاني، في حال الفشل في تحقيق النزع، قد يُستخدم من قبل بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، كذريعة لفرض ضغوط متزايدة تخدم الأجندة الإسرائيلية، وتسعى لبث الفتنة وزعزعة الداخل اللبناني. وهذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد، واعتمادها على دعم خارجي مشروط بالاستقرار السياسي والأمني.


---

السلاح والمشروع الصهيوني: الرفض اللبناني المشترك

العدوان الإسرائيلي لم يكن يومًا موجّهًا ضد طرف دون آخر، بل هو يستهدف كل لبنان وسلامة أراضيه. والمشروع الصهيوني، بما يحمله من توسعية وهيمنة، لم يعد خافيًا على أحد. لذلك، لا يُتوقع من أي لبناني وطني أن يقبل بخضوع بلاده لمعادلات مفروضة من الخارج أو بسيطرة إسرائيلية غير مباشرة، وهو احتمال بات مطروحًا في حال نُزِع سلاح المقاومة دون ضمانات حقيقية.


---

الخلاصة: الحكمة أو الانهيار؟

إن تجاوز هذه الأزمة لا يكون إلا عبر حوار وطني صادق وشامل، يوازن بين ضرورات السيادة ومتطلبات الحماية، ويضع حدًا لتوظيف الخارج للانقسام الداخلي. فلبنان اليوم بحاجة إلى حكمة أبنائه وارتقائهم فوق الاصطفافات، من أجل إنقاذ البلاد من فتنة جديدة، ورسم مسار مستقر يحفظ وحدة الدولة ويصون كرامة الجميع.

وما يحدث في لبنان اليوم يجب ألّا يُنظر إليه بمعزل عن المخططات الصهيونية التي باتت واضحة كوضوح الشمس، ولم تعد مجرد تحليلات أو نظريات. لقد تحولت هذه المخططات إلى واقع ينهش الجغرافيا والقرار في العالم العربي، في ظل وضع عربي مُزْرٍ لا يملك من أدوات الردع إلا القليل. وإن تجاهل هذه الحقائق، أو التغطية عليها، لم يعد مقبولًا. فإما أن يتدارك العرب أنفسهم، أو ينتظروا قطار الموت الذي سبق وأن كانوا ركّابه في محطاتٍ سابقة.

 

تم نسخ الرابط