عاجل

ما حكم كشف وجه الميت لتوديعه وتقبيله.. وهل يجوز ذلك بعد التكفين؟

الميت
الميت

في لحظات الوداع الأخيرة، تتداخل المشاعر بين الحزن والحنين، ويتوق الكثيرون إلى إلقاء نظرة أخيرة على وجوه أحبّائهم الذين غادروا الدنيا، بل وربما يسعون لتقبيلهم ووداعهم كما عهدوهم في حياتهم. وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم يشغل بال الكثيرين: هل يجوز شرعًا كشف وجه الميت لتوديعه وتقبيله، خاصة إذا كان قد تم تكفينه وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أنه لا حرج شرعًا في دخول أهل الميت ومحبيه عليه وكشف وجهه لتوديعه وتقبيله، فهذا من السنن المشروعة التي وردت عن النبي ﷺ، وهو من هدي السلف الصالح رضي الله عنهم.
ويجوز ذلك سواء كان قبل التكفين أو بعده، بشرط ألا يترتب على هذا الفعل ضرر أو مفسدة؛ كأن يؤدي إلى حالة من الجزع الشديد، أو الخوف، أو الاشمئزاز بسبب تغيّر ملامح المتوفى نتيجة مرض أو نزيف أو نحو ذلك، اتقاءً لسوء الظن أو الفهم الخاطئ من الحاضرين

ما ورد في السنة النبوية عن جواز تقبيل الميت بعد تكفينه

أقرت السنة النبوية المشرفة وأفعال الصحابة والسلف الصالح مشروعية تقبيل الميت ووداعه، سواء قبل التكفين أو بعده، لمن كان يُباح له تقبيله في حياته؛ من أقاربه أو محبيه، وذلك لعدم وجود نصٍّ يمنع ذلك، بل جاءت الأدلة بإباحته وفعله من النبي ﷺ ومن الصحابة الكرام.

فعن السيدة عائشة رضي الله عنها، أنها رأت رسول الله ﷺ يقبِّل عثمان بن مظعون بعد وفاته، وهو حديث رواه جمع من أهل السنن والمسانيد؛ كعبد الرزاق، وأحمد، وأبي داود، والترمذي، وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأقر بصحته الحاكم وغيره.

كما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه لما استُشهد والده في غزوة أُحد، كشف عن وجهه وجعل يبكيه، ولم يمنعه النبي ﷺ من ذلك، بل أقرَّه على فعله، وهو ما رواه البخاري ومسلم.

وفي مشهد وداع أبي بكر الصديق رضي الله عنه للنبي ﷺ، بعدما تُوفي رسول الله، دخل عليه وكشف عن وجهه الشريف وهو مُسجّى في ثوب، فقبّله بين عينيه وقال: “بأبي أنت يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مِتَّها”، رواه البخاري وعلَّق عليه بقوله: “باب الدخول على الميت بعد وفاته إذا أدرج في أكفانه”.

ورُوي كذلك أن أبا بردة قبَّل جبين أبيه أبو وائل بعد وفاته، كما أخرجه ابن أبي شيبة.

وقد علّق عدد من العلماء والفقهاء على هذه الأحاديث مؤكدين على مشروعية هذا الفعل؛ فقال ابن بطال المالكي: “يجوز كشف وجه الميت وتقبيله ما لم يظهر منه أذى”، وأشار الإمام العيني إلى أن في ذلك دليلًا على جواز تقبيل الميت، ووافقه ابن الملقِّن مبينًا أن أبا بكر رضي الله عنه اقتدى برسول الله ﷺ في تقبيله لعثمان بن مظعون، كما أن الشوكاني أكد في “نيل الأوطار” أن تقبيل الميت جائز تعظيمًا وتبركًا، مستدلًا بعدم وجود إنكار من الصحابة على أبي بكر، مما يُعدّ إجماعًا سكوتيًّا.

ومن خلال هذه النصوص والمواقف، يتبين أن تقبيل الميت وتوديعه بعد الوفاة -حتى بعد تكفينه- أمر مشروع لا حرج فيه، ما لم يكن هناك ما يمنع من فعله، كحدوث مفسدة أو تغير في حال الجثمان

تم نسخ الرابط