ما فضل وثواب تعمير المساجد وتزيينها ؟ الإفتاء توضح

أوضحت دار الإفتاء أن تعمير المساجد وترميمها من الأعمال المشروعة التي حثَّ عليها الإسلام، وجعلها من دلائل الإيمان، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: 18]. أما تزيينها، فهو أمرٌ مستحب شرعًا، لما فيه من تعظيمٍ لشعائر الله، وتحقيقٍ لقوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ [النور: 36]، أي تُعظَّم وتُشَيَّد وتُعلَى مكانتها. وقد سار المسلمون على هذا النهج منذ العصور الأولى، فأبدعوا في بناء المساجد وتزيينها، وأصبح هذا التجميل رمزًا للتقديس ومظهرًا من مظاهر الاحترام والتبجيل لبيوت الله
حكم عمارة المساجد وتزيينها:
أجمع كثير من الفقهاء على جواز زخرفة المساجد وتزيينها، واعتبروا ذلك من تعظيم شعائر الله ورفع قدر بيوته، استنادًا إلى النصوص الشرعية التي أمرت برفع شأن المساجد وبنائها على وجه يليق بها، مثل قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: 36]، وقوله: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: 18]. وهذه الأدلة تفيد الاستحباب والترغيب، لا مجرد الإباحة.
وقد ذكر الإمام السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط أن النقش بالجص والساج وماء الذهب في المساجد لا بأس به، وهو رأي جمهور الفقهاء، مع مراعاة أن لفظ “لا بأس” يفيد رفع الحرج، لا الثواب بالضرورة. وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر يكرهون ذلك، مستدلين بتواضع بناء مسجد النبي ﷺ، وما رُوي عن أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه من كراهته للزخرفة الزائدة. لكن السرخسي جمع بين هذه الأقوال ببيان أن الذم الوارد في بعض النصوص محمول على من يزخرف المسجد رياءً أو يُهمل الصلاة فيه، لا على التزيين في ذاته.
وتاريخيًا، ورد أن داود وسليمان عليهما السلام زخرفا بيت المقدس، وأن العباس بن عبد المطلب أول من زين المسجد الحرام بعد النبي ﷺ، وأن عمر وعثمان رضي الله عنهما زادا في بناء مسجد المدينة وزخرفته.
الزخرفة رمز للتعظيم والتقديس:
وقد تغيرت الأعراف والعادات في عصرنا، فأصبح الناس يتباهون بتزيين بيوتهم، فلا يصح أن تكون بيوت الله أدنى منزلة من مساكنهم. والآية: ﴿أَنْ تُرْفَعَ﴾ تفيد الرفع الحسي والمعنوي، ولا يتحقق ذلك في العصر الحديث إلا بالتشييد والزخرفة بما يليق بمكانة المسجد. فالحكم يتغير بتغير العرف، والجمع بين النصوص أولى من إهمال بعضها.
بل إن التزيين قد صار في أعين الكثيرين دلالة على تقديس المكان وتعظيمه، وهو لا ينافي التواضع إن خَلَص القصد فيه لله تعالى، بل قد يُعدُّ إظهارًا لعزة الإسلام. ومن الشواهد على هذا ما رُوي عن عمر بن عبد العزيز عندما عدل عن إزالة الزخارف من مسجد دمشق لما رأى أن ذلك يُغيظ الكفار، كما ذكره الطرطوشي.
وقد أشار ابن خلدون إلى قصة معاوية مع عمر رضي الله عنهما، حين أنكر عليه أُبَّهته، فبيَّن له معاوية أنه في ثغر تجاه العدو، وأن المهابة والزينة مطلوبة، فسكت عمر لما رأى أن للمسألة وجهًا شرعيًّا. وكذلك أفتى العلماء لاحقًا بجواز تزيين المساجد لما شاع بين الناس من التأنق في البناء، حتى لا تبدو المساجد في هيئة دون بيوت أهلها، خاصة إذا كانت بيوت أهل الذمة مشيدة فخمة.
وقال بدر الدين بن المنير المالكي –كما نقله الدماميني– إن بناء المسجد النبوي باللبن والسعف كان مناسبًا للزمن الأول، لكن لما تغير حال الناس صار تزيين المسجد وإعلاؤه أولى، ولو أُعيد كما كان لعدّ ذلك من التهاون والتفريط، بل الأصل اليوم أن تكون المساجد أرفع شأناً من سائر البيوت