خيانة مقننة.. هل كان للإخوان تمثيل في الكنيست الإسرائيلي؟

في خضم الأحداث المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، تتضح ملامح تقاطع سياسي وإعلامي بين تنظيم الإخوان وإسرائيل، هدفه الأساسي تشويه صورة مصر أمام العالمين العربي والإسلامي، بزعم تقاعسها عن دعم القضية الفلسطينية أو اتهامها بمحاصرة وتجويع غزة، إلى حد التظاهر في عاصمة الاحتلال تل أبيب أمام السفارة المصرية تحت ذريعة حصار وتجويع غزة، رغم أن السفارة فارغة من سفيرها وموظفيها بقرار من مصر لرفضها استمرار العدون الإسرائيلي الذي يتظاهر الإخوان بتصريح أمني من سلطة الاحتلال التي تمارس العدوان والتجويع مع سبق الإصرار.

لكن خلف هذه الادعاءات، تقبع أهداف خفية تسعى إلى تخفيف الضغط الإعلامي والدولي على الاحتلال الإسرائيلي، ونقل عبء الجرائم إلى القاهرة، في محاولة لتجريدها من دورها التاريخي كحامٍ للقضية الفلسطينية، وهو ما تؤكده شهادات العديد من أبناء قطاع غزة أنفسهم، الذين يعتبرون مصر خط الدفاع الأول عنهم.
الإخوان والحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني.. جذر واحد وأفرع متعددة
من أبرز الأمثلة على تشابك المصالح، العلاقة بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر (فلسطين 48)، وهي حركة دينية سياسية تأسست عام 1971 على يد الشيخ عبد الله نمر درويش، وتتقاطع أيديولوجيًا وتنظيميًا مع فكر الإخوان.
تمارس الحركة الإسلامية نشاطها في أوساط العرب المسلمين داخل إسرائيل، وتقدم خدمات دينية واجتماعية، كما تدير مؤسسات تعليمية وطبية ودعوية تهدف إلى "غرس القيم الإسلامية" وفق منهج الإخوان. وقد انقسمت هذه الحركة إلى جناحين على النحو التالي:
- الجناح الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح، والذي حظرته إسرائيل عام 2015.
- الجناح الجنوبي بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس، ولا يزال ناشطًا سياسيًا واجتماعيًا داخل إسرائيل.
ورغم أن الحركة الإسلامية في بدايتها رفضت المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي لأنها اعتبرتها اعترافًا بشرعية الاحتلال، فإن الانقسامات الداخلية لاحقًا أسفرت عن مشاركة بعض تياراتها في الانتخابات والتحالفات السياسية داخل إسرائيل، حيث جاءت التيارات الثلاثة في الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر على النحو الآتي
- 1. تيار عبد الله نمر درويش: يميل إلى البراجماتية والتطبيع السياسي، ويؤمن بالاندماج في الحياة السياسية الإسرائيلية، بل يعلن دعمه لاتفاقيات السلام، ويقيم علاقات وثيقة مع السلطة الفلسطينية.
- 2. تيار الثاني رائد صلاح: يحافظ على توازن بين رفض المشاركة السياسية داخل الكنيست، وبين توظيف قوة التصويت العربية لخدمة القضايا الفلسطينية، مع استمرار التنسيق مع السلطات الإسرائيلية لتأمين خدمات البلديات.
- 3. تيار كمال الخطيب: يتبنى مواقف أكثر تشددًا، ويعارض أي مشاركة سياسية داخل النظام الإسرائيلي.
وكنتيجة لهذه الخلافات، ظهر "الفرع الشمالي" بقيادة صلاح والخطيب، بينما الفرع الجنوبي بقيادة أبو دعابس.
منصور عباس: من الحركة الإسلامية إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي
من أبرز الأسماء في التيار الجنوبي، الدكتور منصور عباس، نائب رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية، والذي ترأس لاحقًا القائمة العربية الموحدة حيث شارك عباس في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد، وتولى رئاسة لجنة الداخلية في الكنيست، وهي سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل، إذ لم يسبق لحزب عربي أن شارك بشكل مباشر في الحكومة.

ورغم التباينات السياسية، فإن انخراط حزب إسلامي محسوب على الإخوان في حكومة إسرائيلية يثير تساؤلات حول طبيعة "التحالفات البراغماتية" التي تتجاوز المبادئ العقائدية حين تتقاطع المصالح.
عزمي بشارة والإعلام الوظيفي.. تطبيع من نوع جديد
تتسع دائرة العلاقات بين شخصيات محسوبة على الإخوان وتنظيمات قطرية وتركية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، لتشمل أذرعًا إعلامية ومؤسسات دعائية.
وأحد أبرز الأمثلة هو عزمي بشارة، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، ومستشار أمير قطر، والذي لعب دورًا محوريًا في رسم السياسات التحريرية لقنوات مثل "الشرق" و"العربي"، والتي تتخذ من تركيا وقطر مقرًا لها.
وتشير تقارير متعددة إلى أن عزمي بشارة رغم تاريخه القومي المعلن أدى قسم الولاء أمام شيمون بيريز، وسبق أن ترشح لرئاسة الوزراء في إسرائيل قبل أن ينسحب، ليغادر لاحقًا إلى قطر عام 2007 ويصبح مستشارًا إعلاميًا للنظام هناك.

ويلعب بشارة دورًا مؤثرًا في التنسيق بين أجهزة الإعلام المدعومة من قطر وتنظيم الإخوان، مستخدمًا تلك المنصات للهجوم على مصر وتوجيه الاتهامات لها بشأن الموقف من غزة، في وقت تتقاطع فيه هذه الحملات مع أهداف إسرائيلية واضحة لتخفيف الضغط عن تل أبيب.
تقاطعات في خدمة مشروع إقليمي
يرى مراقبون أن هذا التشابك بين تنظيم الإخوان، وعناصر عربية داخل الكنيست الإسرائيلي، وأذرع إعلامية ممولة من قطر وتركيا، يصب في مشروع إقليمي أوسع لتفتيت المنطقة، تحت شعارات براقة كـ "الثورات" و"الإسلام السياسي"، بينما يخدم عمليًا أهدافًا استراتيجية لكل من إيران وتركيا وإسرائيل.
وبحسب الباحث الإسلامي هشام النجار، فإن الإخوان وبعض القنوات الإعلامية المرتبطة بهم، أصبحوا أدوات لخدمة مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، والذي يقوم على توزيع النفوذ بين قوى إقليمية على حساب الدولة الوطنية العربية، وكانت إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر من ترسيخ انقسامات مذهبية ودينية في المنطقة.
من جهته، يوضح الباحث السياسي طه علي أن شخصيات مثل عزمي بشارة وأيمن نور لا يمكن فصل دورهم الإعلامي عن خدمة الأجندات التركية والقطرية والإسرائيلية، التي تتقاطع جميعًا عند نقطة إضعاف الدول العربية الكبرى كـمصر، وخلق حالة من الفوضى والفُرقة في الرأي العام العربي، لإبقاء الاحتلال الإسرائيلي خارج دائرة الضغط والتنديد.
التحالف الإخواني الصهيوني واقع تحكمه المصالح
أصبحت العلاقة بين الإخوان وإسرائيل، سواء عبر السياسة أو الإعلام، لم تعد مجرد اتهام بل أصبحت واقعًا تحكمه مصالح متقاطعة وأدوات وظيفية تسعى لتقويض دور مصر القيادي في دعم القضية الفلسطينية، وتحويل بوصلة الغضب العربي بعيدًا عن الاحتلال.