ما هو الذكاء السياسي؟
الذكاء السياسي هو القدرة على قراءة الواقع السياسي بدقة، وفهم موازين القوى، وتحليل الأحداث ضمن سياقها العام، وليس في معزل عن البيئة التاريخية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة. لا يقتصر الذكاء السياسي على السياسيين وحدهم، بل هو مهارة ضرورية لكل مواطن يرغب في أن يكون شريكًا واعيًا في صياغة مستقبل وطنه.
يمتلك الشخص ذو الذكاء السياسي القدرة على:
• التمييز بين الخطاب السياسي والواقع العملي.
• تقييم القرارات الحكومية ضمن إطار المصلحة العامة، لا من زاوية انفعالية أو شخصية.
• إدراك الفروق الدقيقة بين النقد البنّاء والمعارضة من أجل المعارضة.
• فهم العلاقات الدولية والاصطفافات الإقليمية من منطلق استراتيجي، وليس عاطفيًا.
الذكاء السياسي والمواطن: من المتلقي إلى الشريك
في ظل تسارع الأحداث وتعدد مصادر المعلومات، أصبح المواطن عرضة لتضليل متعمد أحيانًا، أو لتفسيرات سطحية لا تنتمي للواقع. وهنا تبرز أهمية الذكاء السياسي في تكوين رؤية وطنية قائمة على الفهم والتحليل، وليس على التلقين أو الانفعال.
فالذكاء السياسي لا يعني بالضرورة الاتفاق مع كل قرار، بل يعني القدرة على تحليل أسباب اتخاذه، ومقارنته بالبدائل، ومعرفة من المستفيد، ومن المتضرر، وما هي المصلحة العليا التي قد لا تكون واضحة للجميع.
الذكاء السياسي في المشهد المصري الحالي
يمكننا أن نرصد أهمية الذكاء السياسي من خلال عدد من الأحداث الجارية:
1. التعامل مع الأزمات الإقليمية
في ظل التوترات المستمرة في غزة والبحر الأحمر، وامتداد آثارها الاقتصادية والسياسية على مصر، يتطلب الأمر وعيًا عامًا بأن بعض السياسات ليست فقط ردود أفعال، بل نتائج لحسابات دقيقة تتعلق بالأمن القومي وتوازن العلاقات الدولية. من يمتلك الذكاء السياسي يفهم لماذا تختار الدولة سياسة ضبط النفس أحيانًا، أو متى ترفع من وتيرة خطابها.
2. الإصلاح الاقتصادي وتحمل الضغوط
الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة – كتحرير سعر الصرف أو تقليص الدعم تدريجيًا – قد تكون قاسية على المواطن، لكنها تحمل في طياتها بُعدًا استراتيجيًا لتأمين استدامة الدولة واستقلال قرارها. الذكاء السياسي لا يبرر المعاناة، بل يفسرها ضمن سياق أوسع يتضمن تحديات داخلية وخارجية.
3. مشروعات البنية التحتية: رؤية أم ترف؟
ينظر البعض لمشروعات كالعاصمة الإدارية أو الطرق الجديدة على أنها ترف في ظل أزمة اقتصادية، لكن من يمتلك ذكاءً سياسيًا يدرك أنها استثمارات استراتيجية تهدف إلى خلق مراكز تنموية جديدة، وتوسيع الرقعة الاقتصادية، وتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، بعيدًا عن التمركز الخانق في العاصمة القديمة.
لماذا نحتاج نشر الذكاء السياسي؟
في عصر السوشيال ميديا، أصبح كل شخص مشروع محلل سياسي، وهو أمر إيجابي في ظاهره، لكنه قد يتحول إلى فوضى معرفية إذا لم يكن مصحوبًا بالوعي والذكاء السياسي.
من الضروري أن تنطلق حملات توعوية وإعلامية لتعزيز هذه المهارة، خاصة بين الشباب، من خلال:
• تبسيط المفاهيم السياسية بعيدًا عن التعقيد أو التلقين.
• تدريبهم على التفكير النقدي وتحليل المعلومات.
• تشجيعهم على فهم السياق لا مجرد الحكم على النتائج.
ختامًا
الذكاء السياسي لا يعني الانحياز، بل يعني الفهم. لا يعني الدفاع الأعمى، بل التحليل الواعي. هو قدرة نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة حرب معلومات لا تقل خطورة عن المعارك التقليدية. فكلما زاد ذكاء المواطن سياسيًا، زادت قوة الدولة ومرونتها في مواجهة الأزمات، وساد خطاب عقلاني يتجاوز الشعارات، ويقترب من الحقيقة.