من قروض المعاشات لحسابات السيدات وتمويل اشتراكات الأندية وشهادات
البنوك تتكلم بلغة العملاء..كيف غيرت المنتجات الجديدة علاقة المصريين بالمصارف؟

في ظل التوسع في سياسات الشمول المالي، والتوجه نحو زيادة قاعدة المتعاملين مع القطاع المصرفي، بدأت البنوك المصرية منذ 4 سنوات في انتهاج استراتيجية جديدة قائمة على ابتكار منتجات مالية مخصصة تلبي الاحتياجات الفعلية للمواطنين، بعيدًا عن النمط التقليدي في تقديم الخدمات، أبرزها المنتجات التي نجحت في استقطاب شرائح واسعة من المواطنين، قروض اشتراكات الأندية الرياضية، حسابات التوفير للسيدات، قروض المعاشات، وبرامج تمويل المصروفات الدراسية، وغيرها من العروض التي راعت طبيعة كل فئة مجتمعية.
ويرى خبراء مصرفيون أن التوسع في تقديم خدمات مالية غير تقليدية، معتمدة على دراسة احتياجات المواطن المصري، هو ما سيعزز من العلاقة بين المواطن والبنك، ويحسن من ثقافة الادخار والاستخدام الذكي للتمويل.
وأوضح الخبراء في تصريحات صحفية لـ«نيوز رووم» ، أن التنافس يدفع البنوك لتقديم حلول مبتكرة وعروض مرنة، خاصة مع دخول التكنولوجيا في قلب المعادلة المصرفية، وهو ما ساهم في تبسيط الإجراءات وسرعة الوصول.
وأضافت ، أن ما يحدث حاليًا في السوق المصرفي حاليا هو تحول حقيقي من النمط النخبوي نحو النمط المجتمعي، مؤكدين البنوك بدأت تتكلم بلغة المواطن ، واستطاعت أن تفهم احتياجاتهم، وتدير أموالهم.
منتجات تتحدث بلغة العملاء
وفي سياق متصل قال محمد عبدالمنعم، الخبير المصرفي، إن البنوك خلال السنوات الماضية بدأت تفكر بمنطق العميل، وتدرس جيدًا احتياجاته وأنماط إنفاقه، موضحًا أن هناك تحول ملحوظ في فلسفة القطاع المصرفي، إذ لم تعد البنوك تعتمد فقط على الإقراض التقليدي أو المنتجات العامة، بل أصبحت تبحث عن حلول تمويلية موجهة بدقة لفئات معينة، وهو ما انعكس على معدلات فتح الحسابات الجديدة وزيادة الثقة في الجهاز المصرفي.
وأضاف «عبدالمنعم» أن إطلاق قروض اشتراكات الأندية على سبيل المثال، جذب شريحة من الأسر متوسطة الدخل التي كانت تجد صعوبة في سداد تكلفة العضوية، فيتم تمويلها بفترات سداد مناسبة معدلات فائدة تنافسية.
قروض المعاشات.. كسر للصورة النمطية
من جانبه، يرى محمد عبدالعال، الخبير المصرفي، أن قروض أصحاب المعاشات تمثل نقلة في نظرة البنوك لهذه الفئة التي طالما اعتُبرت خارج نطاق الإقراض، مؤكدًا المعاش لم يعد عائقًا أمام الحصول على التمويل، بل أصبح دخلًا ثابتًا يمكن الاعتماد عليه في سداد القروض
وأضاف الخبير المصرفي ، أن بعض البنوك قدمت عروضًا مميزة للمتقاعدين بفترات سداد تصل إلى 10 سنوات وبإجراءات مبسطة، مشيرا إلى هناك وعيًا متزايدًا بأهمية تمكين المرأة ماليًا، وهو ما ظهر في طرح حسابات توفير للسيدات بميزات إضافية مثل الإعفاء من المصروفات البنكية وتوفير بطاقات خصم فورية بدون حد أدنى للرصيد، وهو ما ساهم في إدماج آلاف السيدات، خاصة ربات البيوت وسيدات المناطق الريفية، داخل المنظومة المصرفية.
الشمول المالي على أرض الواقع :
هذه التوجهات ليست فقط تعبيرًا عن رغبة في زيادة الأرباح، بل تعكس تنفيذًا فعليًا لخطط البنك المركزي المصري لتحقيق الشمول المالي ودمج كافة فئات المجتمع في النظام المصرفي، خاصة بعد إطلاق المبادرات القومية الداعمة مثل «حياة كريمة» و«رواد النيل»، بحسب عبدالعال
نقلة نوعية.. لكنها بحاجة للاستمرارية :
ورغم النجاح الملحوظ، يشدد ماجد فهمي الخبير المصرفي ، على أن التحدي الأكبر هو الاستمرارية والتطوير المستمر لهذه المنتجات، مضيفًا، أن السوق ديناميكي، واحتياجات الناس تتغير باستمرار مشيرا إلى أن على البنوك ألا تكتفي بطرح منتجات جديدة، بل يجب أن تتابع ردود أفعال العملاء وتُدخل تعديلات مستمرة وفقًا للتغذية الراجعة.
بينما طالب «فهمي» البنوك بـ التوسع في الخدمات الرقمية التي تسهل على المواطن الوصول لهذه المنتجات دون عناء زيارة الفروع، لا سيما في القرى والمناطق النائية، حيث يمكن للهواتف الذكية أن تلعب دورًا كبيرًا في توصيل الخدمات المصرفية للمجتمع.
المنافسة تحت شعار: البنك الأقرب للمواطن يكسب
المنافسة المصرفية في السوق المصري لم تعد مقتصرة على معدلات الفائدة أو عروض البطاقات، بل أصبح التحدي الحقيقي أمام كل بنك هو مَن الأقرب لفهم المواطن ، ومن يستطيع تقديم منتج يشبه احتياجاته اليومية، وفقًا لـ «فهمي» .
منتجات مالية تخدم أهداف التنمية
وعلى الجانب الأخر يرى مدير قطاع التجزئة بأحد البنوك الخاصة ، أن البنوك لا تعمل في فراغ، بل تسير في خطٍ متوازٍ مع رؤية الدولة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز جودة الحياة، وهو ما يتماشى مع مبادئ رؤية مصر 2030، وتوجهات البنك المركزي المصري في توسيع نطاق الشمول المالي.
دعم برامج الحماية الاجتماعية وتمكين المرأة وتطوير الريف
وعلق مدير قطاع التجزئة أن البنك أصبح أداة مساندة لخطط الدولة لما تقدم قرض مخصص لتعليم الأبناء أو دعم عضوية نادي رياضي، على سبيل المثال كل هذه المنتجات تساهم في رفع جودة حياة الأسرة لاسيما أنه ليس دور حكومي فقط، بل شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص.
ماذا بعد؟.. توصيات من الخبراء
رغم كل ما تحقق، هناك بعض التوصيات التي طرحها الخبراء خلال التحقيق لتوسيع التأثير الإيجابي:
- إطلاق منتجات موجهة للشباب الجامعي، مثل حسابات توفير بتطبيقات ذكية، وبرامج تمويل للمشروعات الصغيرة
- تخصيص منتجات تمويلية لأصحاب المهن الحرة والاقتصاد غير الرسمي، مثل السائقين، الحرفيين، والباعة الجائلين.
- زيادة حملات التوعية المصرفية في القرى والمناطق المحرومة، باستخدام وحدات متنقلة، ومشاركة منظمات المجتمع المدني.
- تحسين تجربة العميل رقميًا، عبر تسهيل فتح الحسابات إلكترونيًا، وخفض زمن الموافقات على التمويل.
«نيوز رووم» في الشارع المصري.. آراء المواطنين عن البنوك ومنتجاتها الجديدة
أجرى موقع «نيوز رووم» جولة ميدانية في عدد من المناطق بالقاهرة والجيزة، والتقى عددًا من المواطنين من فئات عمرية واجتماعية مختلفة، لمعرفة مدى وعيهم بالمنتجات الجديدة التي تقدمها البنوك، وكيف يرون علاقتهم بالمصارف في الوقت الحالي.
وقال أحمد صابر، موظف 38 سنة، إنه بدأ مؤخرًا في التعامل مع البنك للحصول على قرض لتعليم أبنائه، بعدما عرف من أحد أصدقائه بوجود برامج تمويل مخصصة لذلك.
وأضاف "مكنتش أعرف إن في قروض المصاريف المدرسية، كنت فاكر البنك بس علشان الكبار أو الشركات، لكن لما رحت الفرع اكتشفت إن في حاجات تخدمنا إحنا كمان".
أما إيمان فوزي، 30 سنة، ربة منزل، فقالت إن برنامج حساب التوفير للسيدات شجعها تفتح أول حساب في حياتها.
وأضافت : مفيش مصاريف، وكمان بيبعتلي رسائل على الموبايل بكل حاجة بتحصل، حسيت إن الموضوع سهل وبسيط.
في حين أشار الحاج منصور، بالمعاش، 64 سنة، إلى أن البنك بدأ يعرض عليه قرض للمعاش لأول مرة مضيفًا: "كنت فاكر لما اطلع معاش خلاص مفيش بنك يسلفني، لكن الموظف قالي لأ دلوقتي في برامج مخصوصة لينا.. وفعلاً عملت القرض وساعدني في تجهيز بنتي.
قال محمود حسين، 24 سنة، خريج تجارة، إنه بدأ يسمع عن برامج التمويل الموجهة للشباب، لكنه شايف إن الوصول للمعلومة لسه ضعيف، مضيفًا: "أنا كنت متخيل إن البنك ده مؤسسة معقدة، بس لما صاحبي عمل قرض عشان كورس دراسي، بدأت أفكر
وأشار علي عبدالقادر، 27 سنة، يعمل بمجال الجرافيك، إلى إن التعامل البنكي بقى مهم جدًا لأي شاب عنده بيزنس صغير أو شغل حر مضيفًا: "أنا بشتغل فريلانسر، وكنت محتاج حساب أستقبل عليه مستحقاتي من العملاء، ولقيت إن في بعض البنوك بدأت تقدم حسابات للشباب بدون شروط معقدة، ودي كانت نقطة تحول بالنسبالي".
من الشارع إلى غرفة الأخبار.. الصحفيون يتحدثون عن تجربتهم مع البنوك والتكنولوجيا المصرفية
بعد أن رصد موقع «نيوز رووم» آراء المواطنين في الشارع المصري بشأن الخدمات البنكية، انتقلنا إلى داخل المؤسسات الإعلامية، حيث التقينا بعدد من الصحفيين والعاملين في قطاع الإعلام، للوقوف على تجاربهم الشخصية مع المنتجات البنكية الحديثة، ومدى اعتمادهم على التكنولوجيا المصرفية في حياتهم اليومية.
شريف كمال، صحفي وناقد رياضي، أكد أن تطبيق "انستا بأي" يُعد من أبرز الابتكارات الإلكترونية التي قدمها القطاع المصرفي في السنوات الأخيرة، مشيدًا بدور البنك المركزي المصري في إطلاقه وتعزيزه. وأضاف: "في البداية، كانت نظرتي للبنك أنه مجرد مكان فيه ماكينة ATM، وأي تعامل تاني محتاج طوابير وورق كثير، لكن من وقت ما ظهر تطبيق انستا، بدأت أفتح حساب وأتابع معاملاتي البنكية بسهولة ومن غير ما أزور الفرع".
من جانبه، أوضح أحمد سالم، محرر اقتصادي، أن البنوك أصبحت أكثر وعيًا بلغة الشباب والإعلاميين، وبدأت تقدم خدمات مصرفية تتماشى مع نمط حياتهم.
وقال: "أنا شخصيًا كنت بسيب مرتبي في ظرف، لكن مع ظهور تطبيقات الدفع وحسابات التوفير المرنة، حسيت إن البنك بقى وسيلة أمان مش بس خزنة".
أما يوسف شعبان، مسؤول قسم الأخبار بأحد المواقع الإخبارية، فقد أشار إلى تصاعد الوعي البنكي داخل الوسط الإعلامي، لافتًا إلى أن الإعلاميين أصبحوا جزءًا من منظومة نشر الثقافة المصرفية.
وقال: "إحنا مش بس بننقل للناس أخبار البنوك، لكن بقينا كمان بتتفاعل معاها، و بنتابع العروض والخدمات الجديدة، خاصة التي تستهدف شرائح جديدة زي الطلبة وأصحاب المعاشات".
ملاحظات نقدية: الخدمة ليست مثالية دائمًا.. ومطالب بمراجعة البنية التحتية
ورغم الإشادة الواسعة بالتطور الملحوظ في الخدمات المصرفية، أبدى عدد من الصحفيين ملاحظات نقدية تتعلق بجودة البنية التحتية والتجربة اليومية التي يواجهها بعض العملاء، خاصة في المناطق البعيدة عن مراكز المدن.
وفي هذا السياق، يقول يوسف شعبان، صحفي ومعد برامج، إن التطبيقات البنكية بدأت تتحسن فعلًا، لكن لا تزال هناك مشكلات في بعض ماكينات الصراف الآلي، خصوصًا التابعة لفروع صغيرة أو بعيدة عن وسط المدينة. في كثير من الأحيان، نجد الماكينة خارج الخدمة أو خالية من النقود، ويتكرر هذا الأمر بصورة مزعجة، مما يضعف ثقة بعض العملاء، خاصة كبار السن ممن لا يعتمدون على التطبيقات الإلكترونية.
وأشار شعبان إلى أن بعض الفروع، خاصة في المناطق الشعبية أو النائية، تعاني من ضعف في الدعم الفني والتقني، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة الخدمة.
وأضاف: إذا كانت البنوك جادة في الوصول إلى جميع فئات المجتمع، فعليها أن تهتم بتطوير مستوى الخدمة على أرض الواقع، وليس فقط عبر الحملات الدعائية أو المؤشرات الرقمية.