عاجل

كالعادة، نبدأ الموسم الرياضي الجديد بالطريقة القديمة نفسها. نرتكب الاخطاء ذاتها، وننتظر نتائج مختلفة. سوء التخطيط في كرة القدم المصرية اصبح حالة مزمنة لا نراجع انفسنا امامها، رغم ان الثمن هذه المرة باهظ للغاية. الثمن هو استاد القاهرة، هذا المعلم الرياضي والتاريخي الذي كان يوما منارة افريقيا ومسرحا لاجمل البطولات. اليوم، صار عبئا على نفسه، يستنزف بلا رحمة، وبلا ادنى تقدير لقيمته او تاريخه.

الموسم الجديد سيبدأ في الثامن من اغسطس، لكن يبدو اننا لا نتعلم شيئا من الماضي، بل نكرر السيناريو الحزين نفسه. تصور فقط ان استاد القاهرة سيستضيف مباريات الاهلي والزمالك وزد والبنك الاهلي ومودرن سبورت وسيراميكا كليوباترا ووادي دجلة، وكلها اندية تشارك في الدوري الممتاز. وليس هذا فقط، بل هناك ايضا فرق من دوري المحترفين ستلعب على نفس الارضية، وكان لا توجد ملاعب اخرى في القاهرة او ضواحيها.

وعندما تتذكر ان المنتخب الاول يخوض مبارياته عليه، ومعه المنتخب الاولمبي، ومنتخبات الشباب والناشئين، ستتساءل ببساطة: كيف يمكن لملعب واحد ان يتحمل كل هذا؟ هل هذا طبيعي؟ هل يحدث في اي دولة تملك منظومة كروية محترفة؟ الاجابة القاطعة: لا، مستحيل. لا توجد اي ارضية في العالم يمكنها ان تتحمل هذا الكم من المباريات اسبوعيا. خمس او ست مباريات في الاسبوع الواحد؟ هذا تهريج، وليس تنظيما.

وهذا ليس كلاما انشائيا، بل واقع عشناه بالفعل الموسم الماضي. لم يصمد استاد القاهرة لاسبوعين، وانهارت ارضيته بالكامل، وباتت خطرا حقيقيا على اللاعبين. النجيلة دمرت تحت اقدام اللاعبين، واقيمت مباريات في ظروف لا تليق بملعب دولي، بل بالكاد تصلح لملعب تدريب. مارسيل كولر، مدرب الأهلي السابق، خرج وقتها وتحدث بوضوح عن سوء ارضية الملعب، واعتبرها غير صالحة لمباريات كرة قدم حديثة. لكن الرد من ادارة الاستاد كان هجوميا وغير مفهوم، وكانهم تلقوا اهانة شخصية، لا نقدا مهنيا يستحق التوقف عنده.

والاسوأ من ذلك، ان بعض جماهير الزمالك هاجموا كولر، رغم ان فريقهم يعاني من الارضية نفسها. كاننا اصبحنا ندافع عن الخراب المشترك فقط لاننا ننتمي، لا لاننا ندرك حجم الضرر. استاد القاهرة، الذي كان يوما ما رمزا للفخامة والهيبة، اصبح ملعبا مشاعا. يلعب عليه من يريد، ومن لا يجد ملعبا، ومن يسعى لمشهد تلفزيوني جيد. الكل ياتي، الكل يرهق، والملعب يدفع الثمن وحده.

في الدول التي تحترم الرياضة، تعامل الملاعب وكانها كنوز وطنية. لكل ناد ملعبه، ولكل جهة جدول واضح ومدروس، وتوزيع عادل للاحمال. اما نحن، فنصر على استهلاك اهم ملاعبنا بطريقة عشوائية، بلا خطة، بلا توزيع، وبلا احترام للمنشاة.

المشكلة لا تتعلق بادارة الاستاد وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة. اتحاد الكرة، رابطة الاندية، وزارة الرياضة، كل جهة لها دور فيما يحدث. لا يوجد اي تنسيق فعلي، ولا استغلال عادل لباقي ملاعب العاصمة مثل الدفاع الجوي، السلام، بتروسبورت، الكلية الحربية، المقاولون العرب، السكة الحديد... كلها ملاعب حاضرة وغائبة في الوقت نفسه.

والمبررات جاهزة دائما: الاضاءة الافضل، الكاميرات، الشكل الجماهيري. ثم ماذا بعد؟ عندما تنهار الارضية، وتتحول النجيلة الى طين، من يتحمل المسؤولية؟ من يعتذر عن الاصابات؟ من يبرر للجماهير ان مبارياتهم تقام في ظروف غير انسانية؟

استاد القاهرة ليس مجرد ملعب، بل رمز وطني وتاريخي، يجب ان نحافظ عليه. لا يمكن ان نستهلكه حتى يسقط، ثم نبكي عليه بعد فوات الاوان. يحتاج الى ادارة تخطيط حقيقية، لا مجرد ادارة تشغيل. يجب ان يعود استاد القاهرة لمكانه الطبيعي، ملعبا للنهائيات الكبرى، لا مباريات الجولة الثانية، ولا تجارب المنتخبات.

ارحموا استاد القاهرة. انقذوا الملعب قبل ان يتحول الى ارض قاحلة لا تصلح حتى للمران. لا يعقل ان نكون نحن من ندمر منشاتنا بانفسنا، ثم نتساءل لماذا تراجعت كرتنا بهذا الشكل.
اللهم اني بلغت. اللهم فاشهد.

تم نسخ الرابط