عاجل

تمر هذه الأيام ذكري ثورة يوليو ١٩٥٢م، ولن أزايد على من قال إنها ثورةٌ على الاستعمار والإقطاع والظلم، صوّبت البوصلة نحو العيش والحرية والكرامة الاجتماعية بالقضاء علي الإقطاع، وتفعيل قانون الإصلاح الزراعي، وغيرها من مبادئ لوّح بها الضباطُ الأحرار، وإن كان الأمر لا يسلم من مآرب أخرى لقادتها، ولا ضير في ذلك مادامت وراءها مكاسب، تفوق خسائرها . 


أجزم بأنه سيعترض عليّ البعض بقوله: وهل كانت للثورة سلبيات؟
وأردّ: باعتبارها عملا بشريا، فإنها لا تخلو من سلبيات، فليس هناك امرؤ معصوم من الخطأ، وصعبٌ أن يخوض أحدٌ أوحال السياسة دون أن يسلم من مكدراتها.


ولتفادي فخّ الكلام المرسل غير المحتكم إلي دليل أقول: من أشدّ سلبيات هذه الثورة ارتفاع سقف الطموحات عن الإمكانات، وكان نتيجة لذلك أننا استيقظنا - بعد انقشاع ليل الأوهام - نضربُ كفا بكف علي آمال للثورة وجدناها مجرد أضغاث أحلام، حيث استشري نفوذُ البوليس السياسي، وكثر زوار الفجر، وأريقت دماء الحرية علي عتبات الرأي، فنُصبت المشانق لعددٍ من المنظرين والمفكرين، واعتقل أصحاب الرأي، ورزحت البلاد تحت ربقة الاستبداد السياسي، والتضليل الإعلامي، الذي جعلنا نهيم علي غير هدي وراء سراب كاذب .
نعم كاذب؛ لأنه - أقصد الإعلام - خدعنا بانتصارات وهمية، وبطولات زائفة، كما أنّه ردد عبارات حنجورية عن إنجازات الثورة، التي مضي علي اندلاعها نحو ٧٣ عاما، ومازلنا في مصاف دول العالم الثالث، تكسونا عباءته السوداء، والتي يبدو أنّ الخروج منها لن يحدث حتي يلج الجملُ في سمّ الخياط !
ويبدو أن هذه المعضلة، ليست معضلة مصر وحدها بل هي معضلة المنطقة العربية كلها، فكلّ الدول تعاني نفس الهمّ، وهو أننا مقارنة بأمريكا والغرب، أو حتي إفريقيا، فإن بيننا وبين ما حققوه من تنمية سنوات وسنوات .


ألهمت ثورة يوليو ثورات البلاد العربية من حولنا، ولكن المحصلة .. (الكلُّ محلك سر)، وإن كان ثمة سير، فهو أشبه بسير السلحفاة، وهو ما يؤكد أنّ وراء ذلك قوي شريرة، تَحُول بين الدول العربية والتقدم، تتمثل في الصهيونية البغيضة، التي هي وراء مايحدث من فتن وصراعات في كثير من دول المنطقة، ليس من بينها مصر، والحمد لله، بفضل إدارتها السياسية الرشيدة، كما هو الحال في قطاع غزة، نصره الله . 


وأخيرا أقول: ثورة يوليو باعتباره رفضا للظلم والقمع، والطغيان هي عملٌ بشري جيد، ولكن نتائجها علي أرض الواقع، بعيدا عن المزايدة الرخيصة، لا تجعلنا نحكم بنجاحها مائة بالمائة، إذ إنها أكلت مبادئها وأهدافها، ومن ساعتها ونحن غارقون في ضلالات التيه والتزييف والباطل، ونحتاج إلي ثورة جديدة علي السلبية واللامبالاة والفوضي، أو قل ثورة لتصحيح المفاهيم .

تم نسخ الرابط