عاجل

النفوذ التركي في سوريا .. انتصار مبكر أم تحديات تعيد رسم المشهد؟

 التحديات الإقليمية
التحديات الإقليمية تضعف قدرة تركيا على بسط نفوذها بسوريا

منذ سقوط  الرئيس السوري السابق بشار الأسد في منتصف ديسمبر الماضي، أعلن العديد من المحللين السياسيين والصحفيين أن تركيا هي الطرف الوحيد "الفائز" في سوريا، وهي سردية لطالما دعمتها أنقرة ومؤيديها بشكل أثار مخاوف البعض.

تحت عنوان تركيا لم تربح أي شيء حتى الآن في سوريا"، نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرًا نقضت فيه تلك السردية، مشيرةً إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان يواجه عقبات كبيرة تحول دون ترسيخ نفسه كوسيط قوة خارجي في دمشق.

يقول التقرير إنه على الرغم من أن تركيا تتمتع بموقع متميز في سوريا وأن لعبة الجماعات الإرهابية التي تدعمها أنقرة، مثل "هيئة تحرير الشام" ومليشيات الجيش الوطني السوري، لعبت دورًا حاسمًا في سقوط نظام البعث العربي الاشتراكي، إلا أن الادعاء بأن تركيا هي الفائز مما حصل في سوريا.

وأشار التقرير إلى أن هذا الادعاء يعتمد بشكل أساسي على دور هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري في سقوط حلب، مما أدى إلى هروب الأسد من البلاد، لكن الأمور ليست دائمًا كما تبدو. فالهجوم الذي وافقت عليه تركيا على حلب في أواخر نوفمبر كان محدودًا في البداية، ولم يكن الهدف هو الإطاحة بالأسد، بل الضغط عليه للتفاوض بشأن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، وهو هدف سعت إليه الحكومة التركية على مدى العامين الماضيين. وعندما انهار الجيش السوري، غير الأتراك سياستهم، مدعين أن سقوط الأسد كان دائمًا جزءًا من خطتهم.

 

هل تسيطر تركيا حقًا؟

 

بعد سقوط دمشق على أيدي عناصر هيئة تحرير الشام، ظهر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في العاصمة السورية، معلنًا رسميًا تبني تركيا للهيئة الإرهابية, وبحسب "فورين بولسي"، فإن هذا الشراكة "مثمرة" لكن في الوقت نفسه، فرضية أن الحكومة التركية تمتلك كل القوة في هذه العلاقة غير دقيق. ربما كانت كذلك في وقت مضى، لكن بعد انهيار نظام الأسد، باتت الهيئة أقل حاجة إلى أردوغان وشركائه، على حد تعبير التقرير.

فيما يتوجه فيدان إلى دمشق، تتوافد وفود أخرى إلى زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع. وتشمل هذه الوفود دبلوماسيين من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، إلى جانب رئيس الاستخبارات العراقية. كما بدأ قادة سوريا الجدد في التواصل مع دول الجوار؛ حيث زار وزير الخارجية الانتقالي أسعد حسن الشيباني كلاً من الرياض، وأبوظبي، والدوحة، وعمان.

وبحسب المجلة، تعكس تلك التحركات حقيقة أن أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام يتمتعان بخيارات أوسع للشراكات الخارجية مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل شهرين. وعلى الرغم من أن تركيا ليست خارجة من المعادلة تمامًا، إلا أن الجهود المبذولة من قبل الدول العربية الكبرى لإقامة علاقات عمل مع القيادة السورية الجديدة تسلط الضوء على نقاط ضعف تركيا في المنطقة.

القضية الكردية وعقباتها

واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا هي قضية القومية الكردية والقوات الكردية السورية المعروفة بوحدات حماية الشعب، التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن. تعتقد الحكومة التركية أن انهيار نظام الأسد ووجود هيئة تحرير الشام في دمشق يتيح فرصة لاستخدام الجيش الوطني السوري لتدمير وحدات حماية الشعب، التي ترى أنقرة أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المصنف كجماعة إرهابية.

من وجهة نظر تركيا، تبدو اللحظة مواتية لتوجيه ضربة قاسية للقومية الكردية. لكن هناك تحديات تواجه هذا السيناريو المبسط، وهي أن الأكراد لن يقبلوا بتدميرهم بسهولة وقدرتهم على القتال لم تتأثر، مما قد يؤدي إلى صراع على جبهتين، في سوريا والعراق، حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني.

حتى الجيش التركي لم يتمكن من القضاء على حزب العمال الكردستاني خلال أكثر من 40 عامًا، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن تركيا وحلفاءها السوريين سيكونون أكثر نجاحًا.

وأوضح التقرير أن هيئة تحرير الشام ليست بالضرورة شريكًا في جهود تركيا لتصفية الأكراد. عندما صرح أردوغان بأنه يتوقع من الحكومة السورية الجديدة مساعدته في القضاء على وحدات حماية الشعب، كان ذلك اعترافًا ضمنيًا بحدود القوة التركية في دمشق.

التوقعات المبكرة بفوز تركيا

واعتبرت المجلة أن الحديث عن "فوز تركيا في سوريا" مبكر للغاية وقد يخلق توقعات غير واقعية، وإذا أخذ صانعو السياسات هذه السردية على محمل الجد، فقد يغفلون عن المناورات الدقيقة التي تجري بين القوى الإقليمية للسيطرة على دمشق.

وخلص التقرير بالقول إن تركيا تعاني أيضًا من العديد من نقاط الضعف. ومن المهم أن نتذكر أنه منذ بداية الانتفاضة السورية في مارس 2011، ارتكبت تركيا أخطاء متكررة. اعتقدت أن بإمكانها إقناع الأسد بالإصلاح، ثم دعت الولايات المتحدة للإطاحة به، ثم حاولت استخدام الجماعات الإرهابية لتحقيق هذا الهدف، قبل أن تتراجع وتسعى للتقارب معه.

 

تم نسخ الرابط