من الفراعنة إلى اليوم.. صناعة الحرير في مصر تواجه تحديات وفرص جديدة

تُعتبر صناعة الحرير في مصر أحد أبرز أوجه التراث الثقافي والاقتصادي، حيث تمتد جذورها إلى آلاف السنين منذ عهد الفراعنة، الذين استخدموا الحرير في صنع أفخر المنسوجات، وهو ما تؤكده الشواهد الأثرية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد.
رغم هذا الإرث العميق والإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها مصر، تواجه صناعة الحرير اليوم تحديات كبيرة تعيق تطورها واستعادتها لمكانتها الرائدة على المستوى المحلي والدولي.
مشروعات متكاملة
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور محمود سعد، رئيس قسم بحوث صناعة الحرير بمعهد بحوث وقاية النباتات التابع لمركز البحوث الزراعية، أن الدولة تولي اهتمامًا بالغًا بإحياء هذه الصناعة العريقة من خلال إطلاق مشروعات متكاملة تجمع بين الجانبين الزراعي والصناعي، مع التركيز على تعظيم الاستفادة من شجرة التوت التي تُعد المصدر الأساسي لتربية دودة القز.
وأشار الدكتور سعد إلى أن الخطة القومية لإحياء صناعة الحرير تهدف بشكل رئيسي إلى تقليص الفجوة في الإنتاج المحلي، مستفيدين من المساحات الزراعية الشاسعة المتاحة في محافظات مثل سوهاج، وقنا، والوادي الجديد.
وأكد أن المشروع يتضمن زراعة فدان توت في الأراضي الصالحة، وهو ما يوفر فرص عمل حقيقية للشباب والفلاحين، ويسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي.
توفير بيئة استثمارية مشجعة
وأكد رئيس قسم بحوث صناعة الحرير أن المشروع يحظى بدعم كامل من الحكومة المصرية، إلى جانب توفير بيئة استثمارية مشجعة للقطاع الخاص، الأمر الذي جذب العديد من المستثمرين للانخراط في مجالات زراعة التوت والمراحل الصناعية المرتبطة بإنتاج الحرير.
ولم تقتصر الجهود على الجانب الزراعي فقط، بل تمتد أيضًا إلى تطوير الجانب الصناعي، حيث يتم العمل على خلط ألياف الحرير مع ألياف أخرى لتعزيز القيمة المضافة للمنتج النهائي. كما بدأ استخدام الحرير في صناعات متعددة مثل مستحضرات التجميل وأعلاف الحيوانات، مما يفتح آفاقًا جديدة لصناعة قديمة عريقة.
تاريخ صناعة الحرير في مصر حافل وممتد من الفراعنة إلى العصر الحديث، فقد بدأت تربية دودة القز وإنتاج الحرير في عهد الأسرة الثامنة عشرة، حيث استُخدم الحرير في تزيين المقابر الملكية. واستمرت هذه الصناعة في الازدهار خلال العصور اليونانية والرومانية، ثم شهدت تطورًا مهمًا في العصر الإسلامي، حتى أصبحت مصر مركزًا رئيسيًا لإنتاج وتصدير الحرير إلى أوروبا والشرق الأدنى.
وتُعتبر مدينة دمياط من أبرز المدن المصرية التي اشتهرت بصناعة الحرير، حيث أُطلق عليها لقب "عاصمة الحرير" في المنطقة.
في ظل هذه الرؤية الشاملة، تسعى مصر إلى إعادة إحياء صناعة الحرير لتكون منطلقًا جديدًا للاقتصاد الوطني، يدمج التراث بالتطوير الحديث، ويخلق فرصًا اقتصادية واجتماعية مستدامة.