داخل مصنع للآثاث.. رحلة الخشب من المادة الخام إلى تحفة فنية بدمياط

في قلب مدينة دمياط، عاصمة صناعة الأثاث المصرية، يقع مصنع "الريان" الذي يعد نموذجًا حيًا لتاريخ طويل من الحِرَفية والدقة والإبداع في صناعة الأثاث. وفي جولة ميدانية لفريق "نيوز رووم" داخل المصنع، كشف الأستاذ يوسف، صاحب مصنع الريان، عن تفاصيل دقيقة لمراحل تصنيع "الصالونات"، وهي واحدة من أكثر التخصصات تعقيدًا وتميزًا في قطاع الأثاث الدمياطي.
يقول "يوسف" إن رحلة إنتاج الصالون تبدأ من اختيار أنواع الأخشاب بعناية شديدة، وغالبًا ما يتم استخدام خشب الزان والرومى والبلوط لما لها من صلابة وجودة عالية تتحمل عمرًا طويلًا. بعد ذلك تمر الأخشاب بمرحلة "التجفيف" لضمان خلوها من أي رطوبة قد تؤثر على جودة المنتج النهائي.
ثم تدخل الأخشاب إلى ورشة التقطيع والتشكيل، حيث يتم قصها حسب المقاسات الدقيقة وفقًا لتصميم الصالون المطلوب. ويؤكد يوسف أن "الدقة في هذه المرحلة هي الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء، فالأبعاد والتناظر لابد أن يكونا متطابقين بنسبة 100%".
عقب التقطيع، تبدأ مرحلة الحفر والنقش اليدوي أو باستخدام ماكينات الـCNC الحديثة، حسب نوع الموديل. ويضيف يوسف: "رغم دخول التكنولوجيا، إلا أن اللمسة اليدوية للفنان الدمياطي تظل حاضرة بقوة، خاصة في الموديلات الكلاسيكية ذات النقوش الدقيقة التي يصعب تنفيذها آليًا".
ثم تأتي مرحلة التجميع، حيث يتم تثبيت الهياكل باستخدام الغراء والمسامير والكوائل الخشبية، بما يضمن صلابة التحفة النهائية. بعدها تنتقل القطع إلى قسم الصنفرة والدهانات، حيث يتم صقل السطح بعناية وإعداد الخشب لاستقبال الألوان، التي تتراوح بين الدهانات التقليدية والتشطيبات الحديثة مثل الأوكرليك واللكر.
بعد الطلاء، تأتي المرحلة الأهم في الصالونات: التنجيد والتجليس، حيث تُضاف الرغوات واليايات عالية الجودة، ويتم تغطية القطعة بالقماش أو الجلد حسب رغبة العميل. ويوضح يوسف أن هذه الخطوة "تحدد بشكل كبير مدى راحة المستخدم وجودة الصالون على المدى البعيد"، مشيرًا إلى أن المصنع يحرص على استخدام أجود أنواع الأقمشة ومتابعة أحدث صيحات الألوان.
ويؤكد يوسف أن صناعة الصالونات في دمياط ليست مجرد مهنة، بل هي فن متوارث وأسلوب حياة، يتطلب مهارة وصبر وشغف بالتفاصيل، مضيفًا: "كل قطعة ننتجها تُحاكي لوحة فنية.. نضع فيها من وقتنا وخبرتنا حتى تصل للعميل تحفة تليق باسمه وبيته".
وفي ختام جولتنا، دعا "يوسف" الجهات المعنية إلى مزيد من الدعم لصناعة الأثاث الدمياطي، سواء عبر الترويج الخارجي أو تيسير التصدير، مؤكدًا أن الصالون الدمياطي لا يزال يحمل بصمة خاصة لا يمكن تقليدها، ويستحق مكانة عالمية تليق بتاريخه.