عاجل

لم تعد عمليات التجميل حكرًا على المشاهير، ولا وسيلة لإصلاح عيب خلقي فقط. بل تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى هوس جماعي، خاصة مع انتشار تطبيقات الفلاتر، وصعود ثقافة "المظهر أولًا"، وتأثير المؤثرين الذين يظهرون على الدوام بوجوه مثالية، بلا تجاعيد، بلا مسام، بلا عيوب.

أصبحت الفتيات – وحتى الفتيان – يسعون إلى "نسخة واحدة" من الجمال: أنف صغير، شفتان ممتلئتان، خدود بارزة، بشرة مشدودة، وكل ذلك وفق قوالب جاهزة لا علاقة لها بالخصوصية أو التنوّع أو الجمال الحقيقي.

لكن، هل حقًا نحن نسعى للجمال؟ أم أننا نهرب من صورة أنفسنا؟ وهل الجمال الخارجي الذي نصنعه بالمشرط أو بالحقن، قادر على أن يمنحنا الثقة والرضا؟ أم أنه يُدخِلنا في دائرة لا تنتهي من التعديل والمقارنة والقلق الدائم من أن "شيئًا ما ما زال ناقصًا"؟

المشكلة ليست في التجميل بحد ذاته. فهناك حالات طبية أو نفسية يكون فيها التجميل ضروريًا أو مفيدًا. لكنّ الخطر يكمن حين يتحوّل الأمر إلى إدمان، وإلى وسيلة لإرضاء الآخرين لا لإرضاء الذات. حين يصبح الجمال "مشروعًا" لا ينتهي، لا تُرضيه نتيجة، ولا يُشبعه شكل.

والمفارقة أن كلما اقترب الناس من "المثالية الشكلية"، كلما تشابهوا أكثر، وكلما خسروا ما يُميّزهم. كأننا نُحارب التجاعيد، لكننا في المقابل نُزيل ملامحنا، وتاريخنا، وتعبيرنا الخاص. نُصبح جميلين، نعم، لكن على حساب هويتنا.

هذا الهوس لا يأتي من فراغ. إنه ابنٌ شرعي لثقافة الصورة، ولعالم يُقيّم الإنسان من خلال شكله قبل روحه، ويُروّج لفكرة أن الجمال هو مفتاح النجاح، والحب، والقبول الاجتماعي. ومع الوقت، يُصبح كل من لا يُشبه هذا "النموذج المثالي" خارجًا عن اللعبة.

لكن، هل نريد أن نعيش خلف أقنعة؟ وهل يمكن لحقنة أو عملية أو فِلتر أن تمنحنا راحة البال؟ أم أن الجمال الحقيقي يبدأ من الداخل، من التصالح مع الذات، ومن الاعتراف بأن في العيوب مساحات صدق، وفي الملامح الطبيعية نوع من الطمأنينة التي لا يُمكن للمال شراؤها؟

في النهاية، الجمال الحقيقي ليس شيئًا نُضيفه، بل شيئًا نُزيح عنه الغبار. هو في البساطة، والصدق، وفي الملامح التي تروي حكاية لا تُشبه أحدًا. فليكن التجميل خيارًا واعيًا لا هوسًا، ولتكن العناية بالنفس رحلة حب، لا محاولة دائمة للهروب من المرآة.

تم نسخ الرابط