عاجل

بين التديّن الحقيقي والادعاء الزائف.. علي جمعة يوضح علاقة التصوف بالشريعة

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

في زمن التباس المفاهيم واختلاط الظاهر بالباطن، يتجدد الحديث حول العلاقة بين التصوف والشريعة الإسلامية، وهي علاقة جوهرية لا تُفهم إلا عبر ميزان دقيق يجمع بين العبادة الظاهرة والتزكية الباطنة. 

علي جمعة يوضح علاقة التصوف بالشريعة

وفي هذا السياق، أوضح فضيلة الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق، عبر منشور على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" معنى جملة «من تشرّع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق».، فهي كلمة مكثفة تلخص فهماً عميقاً لمسار السالكين إلى الله، وتؤكد أن الشريعة هي الأساس الذي لا غنى عنه، وأن التصوف لا يصح ولا يُقبل إلا إذا كان منضبطًا بالشريعة، لا متجاوزًا لها.

الزندقة.. حين يكون الدين ستارًا للفساد

قال الدكتور علي جمعة إن الزنديق الحقيقي هو الذي يظهر التديُّن ويبطن الفساد، مستشهدًا بالمثل الشعبي:
"يصلي الفرض وينقب الأرض"، في إشارة إلى شخص يرتكب الجرائم في الخفاء تحت غطاء العبادة، كما لو أنه يستأجر بيتًا بجوار بيت غني ليحفر نفقًا خفيًا يسرق منه دون أن يشعر أحد، كل ذلك مع محافظته الظاهرة على الصلاة والتدين.

ويُضيف: "فإذا ضمّ إلى إجرامه هذا رياء العبادة، كانت صلاته وسيلةً لإخفاء جريمته، وستارًا لسرقته وعدوانه، فزاد بذلك إثمًا؛ لأنه اتخذ الدين حيلةً للتدليس والتلبيس".

التصوف السني يرفض الزيف ويدعو للالتزام

ويؤكد فضيلته أن من أخطر الانحرافات أن يدّعي الإنسان أنه "وصل إلى الله" فلا يحتاج إلى الشريعة، ويظن أن له "عمارًا خاصًّا" بينه وبين الله يُغنيه عن الالتزام. هذا – كما وصفه العلماء – دجال زنديق، يفسد من حيث يظن أنه يهتدي، ويهدم من حيث يزعم أنه يبني.

ويشير إلى أن علماء التصوف الحقيقيين وضعوا قواعد راسخة لتحصين السالكين من الزلل، وحمايتهم من بدع الغلاة وأهواء المدّعين، الذين يحاولون صرف الناس عن طريق الله وشريعته بحجج واهية.

سدّ باب التصوف.. رد فعل خاطئ

ويرى الدكتور علي جمعة أن بعض الناس وقعوا في خطأ مضاد حين أغلقوا باب التصوف بالكامل خوفًا من الانحرافات، فحرموا أنفسهم من مورد أصيل للرحمة والسكينة، كان ولا يزال طريقًا للتزكية ومجالًا للتقرب إلى الله.

فالشريعة، كما يوضح فضيلته، ليست فقط حدودًا وأحكامًا، بل هي أيضًا سبيل للأنوار، ومصدر للسعادة، وطريق إلى كرامة الإنسان في الدنيا والآخرة.

واختتم فضيلة الدكتور حديثه باستحضار بعض النصوص النبوية التي تعلي من قيمة العبودية الخالصة، ومنها حديث النبي ﷺ:

«إن الله يباهي بالشاب العابد الملائكة»
[أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" والديلمي]
وكذلك قوله الشريف حين طاف بالكعبة:
«ما أطيبك وأطيب ريحك... ولحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك؛ ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيرًا».

ليؤكد أن كرامة الإنسان المؤمن مقرونة بصدق التزامه بالشريعة، وبأن طريق التصوف الحقيقي لا ينفصل عن طريق الشريعة، بل يتغذى منها ويثمر بها.

 

تم نسخ الرابط