فاتن المحلاوي.. من موظفة روتينية إلى رائدة في عالم الخياطة ببورسعيد

وسط أصوات ماكينات الخياطة القديمة ونقوش الأقمشة التي تحكي حكايات، خرجت سيدة بورسعيدية من روتين الوظيفة لتنسج قصة نجاح ملهمة تجمع بين الإيمان والصبر والموهبة. فاتن طاهر المحلاوي، التي تجاوزت الخامسة والستين، حوّلت موهبتها في الخياطة إلى مصدر رزق وعزة لأسرتها، رافضة أن تبقى محصورة في وظيفتها الإدارية السابقة.
تقيم فاتن في حي الإفرنجي العريق، وبدأت مسيرتها كموظفة إدارية في مدرسة المشير الإعدادية للبنات، لكن حبها للخياطة، الذي تعلمته بشكل ذاتي، دفعها لتجاوز حدود الروتين. تقول فاتن: "كنت أخيط لنفسي فقط، حتى بدأ زميلاتي يتساءلن عن من يفصل لي ملابسي، وعندما عرفوا أنني أنا من أخيطها، شجعوني كثيرًا وطلبوا مني أن أخيط لهم أيضًا. كانت هذه البداية التي لم أتوقع أن تتحول معها هوايتي إلى مصدر رزق حقيقي."

وسط تحديات الحياة وتربية أربع بنات وتعليمهن، تمكنت فاتن من تحويل خيوط التعب إلى حلم تحقق، مؤكدة: "الخياطة سترتني، ساعدتني أجهز بناتي وأعلمهن، تعبت كثيرًا لكن الحمد لله وصلت لما كنت أحلم به."

محنة تتحول لمنحة
وتضيف: "بناتي الأربعة يقدّرن ما بذلته لأجلهن. الأولى مهندسة، والثانية حاصلة على ليسانس الآداب، والثالثة بكالوريوس خدمة اجتماعية، والرابعة خريجة تربية نوعية. حزنت لأنهن لم يجدن وظائف مناسبة، لكنني لم أقف مكتوفة اليدين."
من هذه المحنة، بدأت فاتن صفحة جديدة مع حفيداتها، حيث صممت لهن فساتين سواريه للأطفال، نالت إعجاب المحيطين، فقررت تحويل هذه المهارة إلى مشروع صغير، وافتتحت أتيليه داخل ورشة منزلية تديره بناتها.

تقول: "بدأنا عبر صفحة على فيسبوك، وصممت الموديلات بنفسي، والحمد لله بدأ الزبائن يتوافدون، وكل ما أعرضه من صنعي يدي، وأحياناً أستعين بذوق الزبونة أو أبحث على الإنترنت لتواكب التصاميم الموضة الحديثة."
لا تستخدم فاتن "باترونات" جاهزة، بل تعتمد على خبرتها الطويلة، وتؤمن أن الجلوس المتواصل أمام ماكينة الخياطة هو سر التعلّم الحقيقي.

وتوجه رسالتها لكل سيدة قائلة: "لا تخافي، وتوكلي على الله. ابدئي حتى لو أخفقتِ، اصبري واستمرّي. الخياطة تحتاج لصبر، والعمل مع الناس كذلك. البداية صعبة لكن الثمرة حلوة."
تشعر بمرارة تغيّر الزمن، وتقول بأسف: "زمان كان لازم يكون في كل بيت ماكينة خياطة، والبنت لازم تعرف تحيك، أما دلوقتي فيه بنات ما تعرفش تخيط زرار. فيه ستات بيجوا من أماكن بعيدة عشان أخيط لهم سوستة أو زرار!"
مجال تصميم ملابس النساء
وترفض فاتن اجتياح الرجال مجال تصميم ملابس النساء، دون وجود الخياطات السيدات بنسبة أكبر من الترزية ، مؤكدة أن خياطة السيدات للسيدات تحافظ على الخصوصية والحياء وتقاليد المجتمع، وتقول: "لوجو الخياطة لازم يكون ست. ده احترام للمرأة وغيرتها وخصوصيتها."
عن علاقتها بماكينة الخياطة تقول: "ماكينة الخياطة هي صديقتي الوفية. لم تخذلني أبداً، معها حققت أحلامي وساعدت أسرتي. منها أنفقت على بناتي، ومنها مولت رحلة عمرة لأسرتي كاملة."
قصة فاتن المحلاوي ليست مجرد حكاية عن مهنة تقليدية، بل عن إرادة امرأة من طراز نادر، حولت الألم إلى أمل، والمستحيل إلى مشروع مزدهر، تاركة وراءها خيطاً من الأمل في كل زاوية من ورشتها.