عاجل

في فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، دوّى صوت الضباط الأحرار ليعلن ميلاد مرحلة جديدة في تاريخ مصر، مرحلة تنشد التحرر من الاستعمار والظلم الاجتماعي، وتسعى لبناء دولة وطنية مستقلة وقوية. قاد الثورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي لم يكتف بإسقاط الملكية فحسب، بل أطلق مشروعًا تحرريًا شاملًا امتد أثره إلى معظم أرجاء الوطن العربي.

جسّدت ثورة يوليو تحررًا حقيقيًا على المستويين السياسي والاقتصادي؛ فأمّمت قناة السويس، وأطلقت أول خطة خمسية للتنمية، وبنت السد العالي، وأنشأت مصانع ومؤسسات وطنية في كافة القطاعات. كما كانت مصر منارة لحركات التحرر في إفريقيا وآسيا، إذ دعمت الجزائر، واليمن، وفلسطين، وغيرهم من الشعوب الساعية لنيل استقلالها.
لكن هذا المسار الواعد اصطدم بنكسة 5 يونيو 1967، حين تعرضت مصر لعدوان صهيوني مفاجئ أدّى إلى احتلال سيناء. شكّلت النكسة صدمة كبيرة، ليس فقط سياسيًا وعسكريًا، بل اقتصاديًا وتنمويًا، حيث اضطرت الدولة لتحويل مواردها نحو بناء بنية عسكرية قوية، على حساب المشاريع التنموية الكبرى التي كان يُنتظر أن تنقل مصر إلى مصاف الدول الصناعية الحديثة.
ولولا هذه النكسة – التي أوقفت الزخم التنموي – لربما كانت مصر اليوم بمكانة اقتصادية تشابه كوريا الجنوبية أو حتى اليابان، من حيث التقدم الصناعي والاكتفاء الذاتي، خاصة أن الانطلاقة كانت قوية ومبنية على أسس إنتاجية وتعليمية.
استئناف المسار مع ثورة 30 يونيو
بعد عقود من الاضطراب والانقسام، جاءت ثورة 30 يونيو 2013، بقيادة شعبية ومساندة من الجيش المصري، لتصحح المسار وتعيد الاعتبار للدولة الوطنية التي أسّس لها عبد الناصر. في ظل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهدت مصر انطلاقة جديدة للمشاريع القومية، تمثلت في:
حفر قناة السويس الجديدة.
مشروع "حياة كريمة" لتنمية الريف المصري.
المدن الذكية والعاصمة الإدارية الجديدة.
شبكات طرق وبنية تحتية غير مسبوقة.
تطوير قطاع التعليم والصحة والتصنيع العسكري والمدني.
اليوم، تؤكد مصر أنها تسير على درب عبد الناصر، لكنها بأدوات عصرية ورؤية استراتيجية تمتد لعقود قادمة. المشاريع العملاقة التي تُدشَّن يومًا بعد يوم تشكّل العمود الفقري لمصر المستقبل، وتجعل من الدولة المصرية نموذجًا للتوازن بين الأمن القومي، والتنمية المستدامة، والانفتاح المدروس على العالم.
إن ثورة 23 يوليو لم تكن مجرد انقلاب عسكري، بل مشروع تحرر شامل ما زالت آثاره حية إلى اليوم. وبينما أعاقت نكسة 67 الحلم لبعض الوقت، جاءت ثورة 30 يونيو لتُعيد بناءه على أسس أكثر رسوخًا. مصر اليوم ليست فقط دولة تقاوم الإرهاب وتحفظ أمنها، بل هي دولة تنمو وتبني وتستعد لتكون مركزًا حضاريًا واقتصاديًا يليق بتاريخها العريق ومكانتها الإقليمية والدولية.

تم نسخ الرابط