طه حسين ..الفنان الفلسطيني الذي حطم لوحاته ليطعم أطفاله

في لحظة موجعة تختلط فيها المأساة بالرمزية، أقدم الفنان الفلسطيني طه حسين أبو غالي، المقيم في قطاع غزة، على تحطيم لوحاته الفنية واستخدامها كوقود لطهي الطعام من أجل أطفاله، في مشهد يلخص الانهيار الإنساني الذي يعيشه آلاف المواطنين في القطاع المحاصر. لم يكن ما فعله مجرد قرار شخصي، بل فعلًا يُجسد صرخة فنية حزينة ضد واقع لا يرحم.
الفن في مواجهة الجوع
طه حسين لم يكن فنانًا عاديًا، بل رسامًا شغوفًا بالفن، يملأ لوحاته بالتفاصيل التي تنبض بالحياة والهوية. لكن في غزة، حيث الخشب نادر والكهرباء شبه معدومة والموارد شحيحة، وجد نفسه مضطرًا لحرق ما تبقى من أحلامه ليطهو طعامًا لأطفاله. لوحاته، التي كانت تعني له ذاكرة وطن وألوان أمل، تحولت إلى رماد في سبيل البقاء.
هذا المشهد الذي تم توثيقه وانتشر عبر وسائل التواصل، أثار موجة من التعاطف والغضب، ليس فقط في الأوساط الفنية، بل أيضًا لدى كل من شاهد كيف يُجبَر فنان على حرق فنه لينقذ عائلته من الجوع. إنها لحظة تختصر ما تعانيه غزة من قسوة الحصار والفقر والحرمان، حتى غدا الفن نفسه وقودًا للبقاء.
رمزية الانهيار الثقافي
تحطيم اللوحات هنا ليس مجرد عمل فعلي، بل فعل رمزي كبير؛ إذ يُعبّر عن كيف أن الثقافة والفن في غزة ينهاران تحت وطأة الحياة اليومية القاسية. في مكان كان من المفترض أن يكون الفن فيه مساحة للحلم والتعبير، أصبح أداة للصراع مع الجوع.
طه لم يحطم فنه لأنه لا يُقدّره، بل لأنه لم يجد خيارًا آخر. كانت لوحاته آخر ما يملك، وحين ضاق به الحال، ضحّى بها من أجل أولاده. وهنا يتجلى التناقض المؤلم: أن يكون الفن مصدر فخر، ثم يتحوّل إلى آخر وسيلة للنجاة.
قصة طه حسين ليست عن فنان كسر لوحاته فقط، بل عن أمة تُحطّم فيها الكرامة، وتُحاصر فيها الأحلام، وعن فنان ما زال يحمل فرشاته في قلبه حتى لو احترقت لوحاته. هو نموذج لصوت يجب ألا يُنسى، ولرسالة تتجاوز كل الحدود: أن الحرمان قد يطفئ النور، لكنه لا يقتل الإبداع الحقيقي.