3 ملاحظات يرصدها مصطفى الفقى ترتبط بمصر مكانة ودورًا ومصيرًا

في ظل التغيرات المناخية والسياسية والجغرافية، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تحدث الدكتور مصطفى الفقي، الكاتب والمحلل السياسي، عن أهمية مكانة مصر وقيمتها العالية في ظل العصور السابقة وفي الوقت الراهن.
وقال الفقي، عبر حسابه الشخصي عبر منصة "إكس": "تمتعت مصر عبر تاريخها الطويل بكاريزما خاصة، إذا جاز التعبير، فهى دولة يلتقى فيها التاريخ والجغرافيا، الزمان والمكان، كما أنها تضم خليطًا متجانسًا من السكان حتى لو تعددت مصادره وتباينت أصوله، إنها دولة متميزة فى شمال حوض النيل وشرقى حوض البحر المتوسط".
وأضاف الفقى، مصر تمثل للعقل الغربى – خصوصًا - أكبر شاهدٍ على تاريخ الإنسان وتجسد الروح الشرقية فى الوقت ذاته هى مصدر إلهامٍ منذ بزوغ فجر التوحيد، فضلاَ عن الميراث الحضارى الكبير الموجود فوق أرضها والمتراكم على تربتها، ممثلاً لرقائق من عصورٍ تعاقبت لعل أبرزها الفرعونى والرومانى واليوناني، فضلاَ عن احتضانها الديانات السماوية وحفاوتها بالإسلام بعد المسيحية حيث أفاق الوعى المصرى دائمًا على منطق التعددية وقبول التنوع لشعبٍ لا يعرف التعصب بطبيعته، ولا يتعاطى الرؤى العنصرية بل يؤمن أنه سبيكة متجانسة ترتكز على قيم التسامح وحب الغير والحفاوة بالآخر، لذلك كله ولغيره أصبح لمصر مكانة دولية فريدة وأضحى موقعها متألقًا مع تعاقب الحضارات وتتابع الثقافات واستقرار الديانات، فإذا اتجهنا إلى وضعها الإقليمى فسوف نجد أنه قيادى فى الحروب العادلة ريادى فى صنع السلام والحفاظ عليه"
وقال الفقى "وإذا كان البعض لا يدرك الدور الحقيقى لمصر، لأنها دولة لاتجيد الصخب ولا تهوى الصراخ، إنما هى قابعة فى سلام إلى جوار غيرها فى الزاوية الشمالية الشرقية من القارة الإفريقية، وظلت كالعهد بها منارًا للمعرفة وهادية للبصيرة وكاشفة للرؤية داعية إلى استقرار المنطقة وسلامها، سواء كان ذلك للشرق الأوسط أو غرب آسيا وشمال إفريقيا بشكل عام، وظلت الانتماءات المتعددة للسبيكة المصرية متاحة للجميع"
وأضاف مصطفى الفقى، إذ كانت مصر بحق هى أرض اللجوء الإقليمى يسعى إليها كل من يطلب الحماية والأمان ويفر من الاضطهاد والطغيان، لجأت إليها العائلة المقدسة نتيجة بطش الحاكم الرومانى، وظل مسار تلك الرحلة المباركة علامة مضيئة فى تاريخ المسيحية الأولي، وهى ذاتها مصر التى استقبلت آل البيت فى القرن الأول الهجرى حتى أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المكوّن الدينى والاجتماعى للشخصية المصرية، ولابد أن أعترف هنا أن العرب عامة والمسلمين خاصة يدركون القيم الروحية للمزاج المصرى العابر للأديان والمذاهب والمؤثر دائمًا فى حياة مصر والمصريين الذين ارتبطوا بالنيل العظيم حيث تجسدت على ضفافه رموز الحضارات وبزغت شموس المعرفة، وهنا استأذن القارئ للإشارة بإيجاز إلى ملاحظات ثلاث ترتبط بمصر مكانة ودورًا ومصيرًا"
أولاً: قد يكون المصريون متهمين بشيء من (الشيفونية) التى تجعل اعتزازهم بوطنهم مبالغا فيه أحيانًا، والرد على ذلك هو أن حب المصريين لوطنهم ليس نتيجة نزعة عنصرية أو رؤية ذاتية، بل هو نتاج لقرون طويلة عرف فيها المصرى أنماط الاختلاف من حوله رغم الاتفاق حوله فأطلق عليها الكثيرون أسماءً متعددة فى مقدمتها «أم الدنيا» و«المحروسة» و«الكنانة»، ولذلك ظل بريقها متوهجًا لا يخبو أبدًا رغم تعاقب الانتصارات والانكسارات، ورغم الظروف الدولية والاقتصادية الصعبة والمشكلات الإقليمية الحادة".
"ثانيًا: إن مصر وعاء ثقافى بالدرجة الأولى لديها قوة جذبٍ تلقائية لأصحاب الثقافات الأخرى وذوى المكانة الكبرى فى عوالم الفكر والفن والفلسفة، فهى بحق حامية التراث ومجددة الإبداع والساعية دومًا إلى العمل المشترك والصيغة الجماعية للنهوض بالإقليم ومطاردة أعداء الحياة ومغتصبى الحقوق والمعتدين على القيم الإنسانية من سفاكى الدماء وقتلة الأطفال والنساء وهادمى المساكن على أصحابها، ولقد ظلت مصر دائمًا على عهدها لا تتغير ولا تتراجع أبدًا. ثالثًا: لا يجادل أحد فى أن مصر دولة متميزة فى إقليمها العربى وموقعها الإفريقي، فضلاً عن ومضات الإشعاع التى تنبعث من جوهرها كلما أظلمت الدنيا وتكاثرت السحب وتلبدت الغيوم، فمصر هى بحق حارسة الأمان وداعية السلام تتصرف دائمًا بوضوح وعلانية، ولا تلجأ إلى الالتواء، مهما كانت التحديات والتضحيات والمصاعب"
واختتم مصطفى الفقى حديثه قائلا "لهذه الأسباب ولغيرها تظل مصر شمسًا لا تغيب ونورًا لا يختفى وضياءً لا يخبو، تزهو إقليميًا بعروبتها وتفاخر إسلاميًا بأزهرها وتباهى فى العالم بكنيستها الوطنية، وشعبها المتجانس المترابط الذى ينبذ الطائفية ويرفض العنصرية، ويقف بصلابة وقوة فى مواجهة ما يحيط به من تحديات وعقبات، وهو فى كل ذلك يؤمن بحق أن الدور الإقليمى للدولة المصرية هو ترجمة عملية لمكانتها الدولية وحركتها على مساحة واسعة من الجهد البناء والإسهام العادل فى قضايا العصر ومشكلات المنطقة وأزمات الشرق الأوسط!".