عاجل

في زمن الهوان، يخرج علينا من ظن نفسه مناضلاً وهو في الحقيقة لا يعدو كونه بوقا ًأجوف، يعزف على نغمة مشروخة أُعدّت له في غرف معتمة، ويظن أنه يقارع انظمة بينما هو لا يملك من أمره شيئًا.. المدعو “أنس حبيب” – الذي أغلق باب السفارة المصرية في هولندا – ليس إلا تجسيداً صارخاً لما يمكن تسميته بالحَوَل السياسي، الذي يرى الاحتلال الصهيوني ولا يُدين، ويرى مصر فتبهره شراسة الهجوم.

هو لا يرى سفارة العدو التي لا تبعد سوى أمتار، لكنه يتحامل على سفارة بلده التي قدّمت لفلسطين ما لم تُقدّمه غيرها ، فيُغلق بابها في مشهد مسرحي مُبتذل، يستدعي التصفيق من إعلام الإخوان، والتهليل من أبواق الممولين، دون أن يدرك أنه صار – بفعله – خادماً لمشروعهم الرخيص لا ناصراً لقضية عادلة.
•••
ما أحقركم…
تتطاولون على مصر في وقت تخوض فيه حرباً وجودية على كل الاتجاهات، من الإرهاب إلى التآمر، ومن حصار اقتصادى إلى مؤامرات التهجير. ومع ذلك، لم تتخل مصر عن ثوابتها القومية، ولم تساوم على القضية الفلسطينية، ولا على شرف دعمها.

مصر التي رفضت مليارات الدولارات مقابل توطين الفلسطينيين، لا تستحق أن تُغلق سفارتها بل أن تُفتح لها القلوب.
مصر التي فتحت مستشفياتها، وقدّمت أكثر من 80٪ من المساعدات التي دخلت إلى غزة، لا تُعاقب بل تُشكر.
مصر التي مارس جهاز مخابراتها – ليل نهار – جهوداً خارقة لوقف إطلاق النار، وإدخال الغذاء والدواء، لا تُخوّن بل يُرفع لها القبعة.

لكن للأسف، من يصطفون خلف أنس حبيب – ومن هم على شاكلته – لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفقهون، وإن فقهوا تعمدوا الكذب، وركبوا موجة الابتزاز العاطفي لخدمة أجندات تنظيمهم البائد.
•••
يا أنس، خسئت، وحبط عملك.
فلا أنت ناطق باسم غزة، ولا أنت حامل للواء القضية، ولا أفعالك تصب في صالح المقاومة، بل في مصلحة من يريدون تقويض مصر ودورها.
أنت لست أكثر من “حركة علاقات عامة”، تغطّي فشلك الشخصي بتجاسر وهمي على سفارة تمثل الدولة التي حافظت على شرفها، عندما فرط فيه غيرها.

لقد نسيت – أو تناسيت – أن مصر، رغم كل الجراح، لم تلوث يديها بدم فلسطيني، ولم تدخل يوماً في صفقة دم أو تهجير أو مؤامرة. وأن القيادة المصرية – من الرئيس السيسي إلى كل مؤسسات الدولة – تعتبر القضية الفلسطينية جزءاً من أمنها القومي، لا ورقة للتفاوض أو المتاجرة.

فمن ذا الذي يعطيك الحق، أو يعطي أمثالك، في التطاول؟
ومن أنتم حتى توزعوا صكوك الوطنية، وتُحدّدوا مسارات الغضب؟
هل نسيتم رسالة رئيسكم الإخواني إلى شيمون بيريز وهو يخاطبه بـ”الصديق الوفي”؟
هل نسيتم صمتكم عن احتلال الجولان، أو عن التطبيع الكامل لبعض العواصم؟
أم أن مصر وحدها هي ساحة “نضالكم” المزيف لأنها الجدار الذي يمنعكم من السقوط الكامل في أحضان العدو؟!

العدو – يا أنس – هناك في تل أبيب، لا في القاهرة.
والصراع الحقيقي هناك، لا على بوابة سفارة مصر في لاهاي.
والخيانة أن تغضّ الطرف عن من يقتل ويجوع، ثم تُسلّط عدساتك على من يقدّم ويصبر.

دع عنك مصر… فهي أكبر من كل محاولات التشويه.
دع عنك جيشها وقيادتها… فهم أشرف من أن تُلوّثهم كلمات مأجورة.
وتذكّر أن غزة تعرف من ناصرها، كما تعرف من خذلها… والتاريخ لا يرحم.

تم نسخ الرابط