الملاذ الأخير يُحتضر.. دير البلح هدف جديد لآلة الحرب الإسرائيلية

في قلب قطاع غزة، حيث اعتُبرت دير البلح آخر متنفس إنساني وسط مشاهد الدمار، لم تعد المدينة في مأمن من التصعيد العسكري الإسرائيلي.
توغلت الدبابات الإسرائيلية في المناطق الجنوبية والشرقية من دير البلح، أمس، التي تُعد المركز الرئيسي للجهود الإنسانية في القطاع، وسط تحذيرات متصاعدة من خطر تفاقم المجاعة.
ولأشهر، تجنبت إسرائيل تنفيذ عمليات برية في دير البلح خشية أن تكون مكان احتجاز رهائن لدى حماس منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023. إلا أن الجيش الإسرائيلي أصدر، الأحد، أول أمر رسمي بإخلاء سكان المدينة، ما أثار موجة نزوح جديدة.
وفي بيان لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، حذرت المنظمة من أن هذا التوغل يرفع نسبة الأراضي الخاضعة لأوامر التهجير أو السيطرة العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى 87.8%، مما ترك أكثر من 2.1 مليون فلسطيني محصورين في شريط لا يتجاوز 12% من مساحة القطاع المنكوب، حيث انهارت الخدمات الأساسية.
ممر عسكري جديد أم ورقة ضغط تفاوضية؟
رغم إعلان إسرائيل أن سيطرتها على الأراضي تهدف للضغط على حماس من أجل إطلاق سراح الرهائن، اعتبرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن قرار إخلاء المنطقة الساحلية بين دير البلح والمواصي قد يكون ورقة ضغط في مفاوضات وقف إطلاق النار المتعثرة.
غير أن تقارير أخرى تحدثت عن هدف مختلف: شق ممر عسكري جديد يفصل خان يونس عن وسط القطاع، على غرار ممر موراج الذي أقامته إسرائيل سابقًا بين رفح وخان يونس.
وترافق التصعيد في دير البلح مع تسريبات عن هدنة محتملة وتصريحات من دول غربية تطالب بإعادة إدارة المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وهي خطط تقول صحيفة "هآرتس" إن الجيش الإسرائيلي يحاول إفشالها بعزل دير البلح عن الجنوب حيث يتجمع النازحون، مما يجعل إيصال المساعدات شبه مستحيل.
شهود عيان أكدوا للصحيفة العبرية أن الجيش الإسرائيلي كثف قصفه لدير البلح خلال الساعات الأخيرة، ما أثار مخاوف من أن المدينة، التي بقيت نسبياً أقل تضرراً، قد تواجه مصيراً مشابهاً لباقي مناطق القطاع من الدمار الشامل.
ورغم تقارير تتحدث عن وجود رهائن داخل المدينة، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجيش الإسرائيلي. وتقدّر مصادر أن نحو 20 من أصل 50 رهينة ما زالوا على قيد الحياة في غزة.
وفي تحذير شديد اللهجة، أصدر منتدى عائلات الرهائن والمفقودين بياناً قال فيه: "شعب إسرائيل لن يغفر لمن عرّض حياة الرهائن للخطر عمداً – سواء كانوا أحياء أو أمواتاً. لا أحد يمكنه الادعاء بعدم معرفته بما هو على المحك."
دير البلح.. رئة غزة الإنسانية تحت النار
حذّرت الأمم المتحدة من أن تهجير دير البلح قد يؤدي إلى شلل كامل للخدمات الإنسانية في القطاع، لا سيما في قطاع المياه. فالمدينة تضم ثلاث آبار مياه، وخزاناً رئيسياً، ومحطة لتحلية المياه تنتج 2000 متر مكعب يومياً، وجميعها مهددة بالتوقف.
كما تقع ضمن منطقة الإخلاء مستودعات إغاثية، وأربع عيادات طبية، وأربع نقاط إسعافات أولية، وموقع للنفايات، ومحطة ضخ للصرف الصحي، وسبعة مراكز تعليمية مؤقتة تخدم قرابة 2000 طالب — جميعها توقفت عن العمل مع دخول القرار حيّز التنفيذ.
وكشفت صور الأقمار الصناعية المنشورة مؤخراً أن أقل من نصف مباني دير البلح تعرضت للدمار خلال الحرب، مقارنة بمناطق أخرى في غزة، مما جعلها مركزاً حيوياً للمنظمات الإنسانية.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يقطن دير البلح حالياً ما بين 50 إلى 80 ألف فلسطيني، إلى جانب عشرات الآلاف من النازحين في 57 مخيماً مؤقتاً داخل المدينة.
وحذّر "أوتشا" من أن الإخلاء الذي يمتد حتى شاطئ البحر يفاقم تفكك القطاع، ويُعيق حركة العاملين في المجال الإنساني ويُخنق جهود إيصال المساعدات.
وذكرت تقارير ميدانية أن أكثر من ألف عائلة فرت من دير البلح منذ إعلان الإخلاء.
حصيلة دامية وضحايا بلا نهاية
أعلنت وزارة الصحة في غزة، الاثنين، أن حصيلة القتلى الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب بلغت 59,029، فيما أصيب 142,135 آخرون. وأشارت إلى أن 8,196 شخصاً لقوا مصرعهم منذ استئناف الغارات في 18 مارس، بعد انتهاء الهدنة التي دامت شهرين، وإطلاق عملية "مركبات جدعون" في مايو الماضي.
وفي السياق ذاته، دعت وزيرة الاستيطان الإسرائيلية اليمينية المتطرفة أوريت ستروك، إلى توسيع العمليات العسكرية في غزة، حتى وإن جاء ذلك على حساب حياة الرهائن. وقالت في مقابلة إذاعية: "لا يمكن الانتصار بالحرب طالما هناك مناطق ممنوعة على الجيش بسبب وجود رهائن."
دير البلح تحت النار.. مشهد من جحيم غزة
وفق وسائل إعلام فلسطينية، شهدت دير البلح خلال الساعات الماضية قصفاً مكثفاً من الطيران الحربي والمدفعية الإسرائيلية، لا سيما في الأجزاء الجنوبية من المدينة وحي اللحام، مع تدمير ثلاثة مساجد بالكامل.
وسجلت الغارات أيضاً سقوط ضحايا في شرق دير البلح وخان يونس والبريج والنصيرات، إضافة إلى جباليا، حيث تم انتشال جثث خمسة شهداء وإصابة عدد آخرين.
وفي تطور لافت، أفادت مصادر فلسطينية بأن القوات الإسرائيلية اعتقلت الدكتور معين البلتاجي، مدير عام وزارة الصحة في غزة، في إطار حملة الاعتقالات المستمرة.