هل يستطيع الإنسان أن يرى الله سبحانه وتعالى في المنام؟.. اعرف الرأي الشرعي

رؤية الله تعالى من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتردية - بحسب دار الإفتاء، وبين غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى؛ كالمعتزلة والشيعة والإباضية.
هل يستطيع الإنسان أن يرى الله في المنام؟
أما أهل السنة فقد أجمعوا على أن رؤية الله تعالى مما يدخل في الممكنات، وأن العقل لا يحيل رؤية العباد لربهم، وهي من المسائل التي لا يُعدّ الخلاف فيها مستوجبًا للكفر والردة، وإن كانت مخالفة أهل السنة والجماعة تستوجب الفسق والجنوح عن الحق.
والنافون للرؤية قالوا: إن الرؤية هي انطباع صورة المرئي في الحدقة، ومن شرط ذلك انحصار المرئي في جهة معينة من المكان حتى يمكن اتجاه الحدقة إليه، ومن المعلوم أن الله ليس جسمًا ولا تحده جهة من الجهات، وبذلك يكون مرادهم من الرؤية هو المعنى الحاصل بين المخلوقات الذي يلزم منه اشتراط وجود الجهة والمقابلة وغير ذلك من الأمور التي تستدعي التشبيه الذي ينزه عنه الله عز وجل.
أما الكرامية والمجسمة، فإنهم جوزوا رؤيته تعالى بالمواجهة؛ لاعتقادهم كونه تعالى في الجهة والمكان، وهذا مخالف لما عليه اعتقاد المسلمين قاطبة.
ومذهب الأشاعرة أنه لا تلازم بين الرؤية والتشبيه، فيثبتون رؤية الله لكن ليست كرؤيتنا للأشياء في الدنيا، فإن الكيفية التي تحصل الرؤية بها اليوم ليست إلا كيفية من كيفيات كثيرة، كان الله عز وجل ولا يزال قادرًا على ربط حقيقة الرؤية بما شاء منها، وقد جرت العادة في رؤية بعضنا لبعض -أي: ما يقع بين الحوادث والممكنات- من حصول مقدمات يترتب عليها انطباع صورة المرئي في حدقة الرائي، وذلك بأن يكون المرئي في مقابلة الرائي مقابلة مكانية، وأن يكون البعد بين الرائي والمرئي مسافة معينة تقدر بحسب قدرة البصر قوة وضعفًا، ومن ثم فيحدث ارتسام صورة المرئي في سطح عين الرائي، أو خروج شعاع من عين الرائي يقع على المرئي، وما كل ذلك إلا على جهة الاتفاق العادي، لا على سبيل الاشتراط العقلي، فالله سبحانه وتعالى قادر على خلق صورة الشيء بدون هذه المقدمات، فليست هذه المقدمات شرطًا عقليًّا لا يجوز تخلفه، بل هي عبارة عن ترتيبات عادية تحصل بإرادة من الله تعالى، ولو شاء الله عز وجل ألا يجعلها كذلك لفعل.
يقول الشيخ محمد الحسيني الظواهري في "التحقيق التام في علم الكلام": [والمراد بالرؤية التي ندعي جوازها: الحالة التي يجدها الإنسان حين أن يرى الشيء بعد علمه به، فإنه يدرك تفرقة بين الحالتين، وتلك التفرقة ليس مرجعها ارتسام صورة المرئي في العين، أو اتصال شعاع خارج من العين إلى المرئي عند المواجهة، بل هي حالة أخرى مغايرة للعلم يمكن حصولها من غير ارتسام صورة وخروج شعاع يخلقها الله تعالى في الحي، ولا تشترط بضوء ولا مقابلة ولا غيرهما من الشرائط].
حكم من ادعى رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة
من القائلين بوقوع رؤية الله تعالى من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومعه جمهور الصحابة، ومما روي عنه في ذلك: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!". وروي عن سيدنا الحسن رضي الله عنه أنه كان يحلف: لقد رأى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ربه، وكذلك روي عن أبي ذر وكعب رضي الله عنهما، وحكي مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهما وأحمد بن حنبل؛ يقول الإمام النووي في "شرح مسلم": [وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه].
وقد نفت السيدة عائشة رضي الله عنها وقوع الرؤية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لربه في الدنيا، وجاء مثله عن أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما.
والسيدة عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات. وهذه المسألة من مسائل الخلاف التي يقول فيها الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": [وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية؛ كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة. وهذه المسائل منها ما أحد القولين خطأ قطعًا، ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مؤد لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه. وهل يقال له: مصيب أو مخطئ؟ فيه نزاع. ومن الناس من يجعل الجميع مصيبين ولا حكم في نفس الأمر، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ].
وما دامت هذه المسألة -رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لربه في الدنيا- مختلفًا فيها بين الصحابة أنفسهم فليس ثمة ما يدعو في باب العقيدة إلى الجزم بقول من القولين، وإن كنا نرجح في ذلك مذهب الجمهور من الصحابة ثم من بعدهم من الأئمة والعلماء، وهو إمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا، بل دل على وقوعها أيضًا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما من ادعى رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة فهو ضال، وذهب بعض العلماء إلى تكفيره. كما أنه لا نزاع في وقوعها منامًا وصحتها، وقد روى الخلال في كتابه "المجالس العشرة الأمالي"بسنده أن الإمام أحمد بن حنبل رآه تسعًا وتسعين مرة، فقال: [وعزته إن رأيته تمام المائة لأسألنه. فرآه فقال: سيدي ومولاي، ما أقرب ما يتقرب به المتقربون إليك؟ قال: تلاوة كلامي. قال: بفهم أو بغير فهم؟ فقال: يا أحمد، بفهم وبغير فهم].
هل يمكن رؤية الله في المنام؟
يقول الشيخ أحمد خليل، من علماء الأزهر الشريف، إن رؤية الله عز وجل في الدنيا مستحيلة بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، مشددًا على أن أعين البشر وقدراتهم لا يمكن أن تحتمل إدراك عظمة وجلال الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة.
وأوضح الشيخ خليل، في فيديو له على قناته على اليوتيوب، أن سيدنا موسى عليه السلام، رغم مكانته العظيمة وكونه كليم الله، طلب من ربه الرؤية فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}، فجاءه الجواب الإلهي الحاسم: {لَن تَرَانِي}، وعندما تجلى الله للجبل جعله دكا، فانهار الجبل أمام التجلي الإلهي، فكيف بالبشر الضعيف أن يتحمل ذلك؟!، مشيرًا إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حينما سُئل بعد رحلة الإسراء والمعراج: "هل رأيت ربك يا رسول الله؟"، قال: "نورٌ أنى أراه"، أي أن النور الإلهي غلب كل شيء، مما يؤكد استحالة الرؤية.
أما عن رؤية الله في الآخرة، فأكد الشيخ خليل أنها أعظم نعيم وأعلى درجات التكريم للمؤمنين في الجنة، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، موضحًا أن الله يكشف الحجاب عن وجهه الكريم في الجنة، فينظر إليه المؤمنون، ولا يُعطى أهل الجنة نعيمًا أعظم من هذه اللحظة. وأن هذه المسألة محسومة شرعًا ولا يجوز لأحد أن يدعي رؤية الله في الدنيا، داعيًا إلى التزود بالإيمان والعمل الصالح لنيل هذا الفضل العظيم في الآخرة.