كيفية الطهارة بالأطراف الصناعية ؟ الإفتاء توضح الحكم

في ظل التطورات الطبية والتقنية التي ساهمت في تحسين جودة حياة أصحاب الهمم، يطرح كثير من المواطنين تساؤلات شرعية تتعلق بكيفية أداء العبادات، ومن أبرزها: كيفية الطهارة في حال وجود الأطراف صناعية وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء المصرية من ابتلي بفقد أحد أطرافه واستعان على ذلك بطرف تعويضي، يلزمه عند الطهارة إيصال الماء إلى ما يجب إيصاله إليه من ذلك العضو، فإذا كان قد فقد محلَّ الفرض في الوضوء فلا يلزمه نزع الطرف الصناعي وغسل ما تحته؛ لزوال المحل الذي يجب إيصال الماء إليه، بينما يلزمه ذلك حالة الاغتسال إن استطاع؛ إذ الاغتسال يتحقق بتعميم جميع البدن بالماء.
وأما إذا لم يفقد كل محل الفرض فيجب عليه نزع الطرف الصناعي في الوضوء والغسل وإيصال الماء إلى ما بقي من عضو إن قدر على ذلك، فإن لم يقدر عليه لتعذره أو تعسره فيلزمه غسل الميسور من ذلك العضو وإمرار الماء على الظاهر من العضو الصناعي مما يعد حائلًا دون البشرة المقصودة بالطهارة كما هو الحال في الجبيرة، فإن تعذر عليه إمرار الماء على الطرف الصناعي مسح عليه، وذلك حيث لم يكن إمرار الماء على الطرف الصناعي أو مسحه بالماء متسببًا في إتلافه بحسب ما يفيد به أهل الاختصاص، فإن تعذر كل ذلك غسلًا أو إمرار الماء أو المسح عليه فلا يلزم المتطهر حينئذ شيء في ذلك الموضع؛ للتعذر.
بيان المراد بالأطراف الصناعية وأنواعها
الأطراف الصناعية: هي أجهزة طبية تعويضية، تصمم على هيئة أحد اليدين أو الرجلين، وهي إما وظيفية تستخدم لاستعادة بعض أو كل الوظائف المفقودة للعضو المفقود، وإما تجميلية تهدف إلى استعادة الهيئة والمظهر الطبيعي للإنسان، وإما تجميلية ووظيفية في آن واحد، وتتنوع هذه الأطراف الصناعية بين الدائمة التي تركب بشكل دائم، والأخرى المؤقتة التي يمكن نزعها وإعادة تركيبها. ينظر: "الأجهزة التعويضية والوسائل المساعدة" للدكتور وائل محمد مسعود (.
كيفية طهارة من ركَّب طرفًا صناعيًّا
الأصل المقرر شرعًا أَنَّ الطهارة مِن الحدث بنوعيه الأصغر والأكبر شرطٌ من شروط صحة الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، وإعمالًا لذلك الأصل وتطبيقًا له فإنَّ الحكم في كيفية تطهر من ركب طرفًا صناعيًّا يختلف باختلاف قدر ما فُقِدَ من الطرف الأصلي الذي استعيض عنه بالطرف الصناعي، ونوع الحدث الذي يتطهر المحدث منه، وذلك على التفصيل الآتي:
أولًا: أن يكون محل الطهارة مفقودًا كله، وذلك كفقد اليد إلى ما فوق المرفق، أو الرجل إلى ما فوق الكعبين، وحينئذ فإذا كان التطهر من حدثٍ أصغر وهو كل ما أوجب الوضوء، فلا يجب نزع الطرف الصناعي حال الوضوء؛ لأن العضو المقصود بالغسل في الوضوء قد زال بالكلية، فزال ما تعلق به من أحكام لزوال محلها، ذلك لأن تحقق الحكم لا يكون إلا بموافقة محل وقوعه، فإن زال المحل زال معه ما يلزم عنه من أحكام. وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء:
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق": [ولو قطعت يده أو رجله فلم يبق من المرفق والكعب شيء سقط الغسل، ولو بقي وجب] .
وقال العلامة ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة" : في بيان فرائض الوضوء [الفرض الثالث: غسل اليدين مع المرفقين، وقيل: إليهما دونهما، فلو قطع من الساعد غسل الباقي، ولو قطع من المرفق لم يجب عليه شيء؛ لأن القطع أتى على جميع الذراع، والمرافق في الذراع، إلا أن يكون بقي شيء من المرفق في العضد، يعرف ذلك الناس وتعرفه العرب، فيغسل] .
وأما إذا كان التطهر من حدثٍ أكبر وهو كل ما أوجب الاغتسال بتعميم سائر البدن بالماء، وإزالة كل ما يمنع وصول الماء إلى ظاهر البشرة من البدن، فيلزم المتطهر حينئذٍ أن ينزع الطرف الصناعي -إن قدر على ذلك- إذا كان يمنع وصول الماء إلى جزء من البدن الذي هو محل الفقد.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" : [فالحاصل: أن إمرار الماء على جميع البدن فرض لقوله صلى الله عليه وسلم: «تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة»] اهـ.
وقال العلامة ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "كفاية الطالب الرباني" : [(أما الطهر) أي: الغسل وهو تعميم ظاهر الجسد بالماء] .
فالحاصل مما سبق أن من ابتلي بفقد كامل أحد أطرافه واضطر إلى تركيب طرفٍ صناعيٍّ، فإنه لا يلزمه حين الوضوء إيصال الماء إلى أسفل الطرف الصناعي من بشرة الطرف المفقود؛ لأن محل الفرض في الوضوء قد زال فسقط حكمه، بينما يلزمه إيصال الماء إلى أسفل الطرف الصناعي من ظاهر بشرة الطرف المفقود في الاغتسال إن قدر على ذلك؛ لأن غسل جميع بدن الإنسان في الاغتسال فرض إلا لعذر.
ثانيًا: أن يكون محل الطهارة لم يفقد مطلقًا بحيث بقيَ منه بقية يشملها حكم الغسل في الحدث الأصغر أو الأكبر، وحينئذ يلزم المتطهر غسل هذه البقية في الحدث الأصغر وكذلك الحدث الأكبر من باب أولى، ما لم يكن في الأمر بغسله مشقة أو حرج بالغين. وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء:
قال الشيخ ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" : [ولو قطعت يده أو رجله فلم يبق من المرفق والكعب شيء سقط الغسل، ولو بقي وجب] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب": [فلو قطعت من تحت المرفق، وجب غسل الباقي كما صرح به الأصل] اهـ.
فإن تعذر عليه نزع ذلك الطرف عند كل وضوء أو غسلٍ لمشقة أو عدم إمكان من أجل تحقيق الطهارة، كأن يكون ملتحمًا أو ما أشبه ذلك فإنه يكفي المتطهر حينئذٍ غسل ما يمكنه غسله من ذلك العضو وإمرار الماء على ما باشر الموضع الذي تعذر وصول الماء إليه، فإن تعذر إمرار الماء أيضًا مسح عليه، فإن عجز عن المسح سقط عنه أيضًا، وذلك ما أفادته نصوص الفقهاء في الترخص فيما أشبه ذلك من أحوال، كحال من وضع على جرحه دواء يتضرر بإزالته، أو جبيرة يصعب نزعها، أو من ركب أنفًا صناعية أو رجلًا من خشب، حيث نصوا على أنَّ ما قام مقام البشرة مما يحجب إسالة الماء عليها يتحول الفرض في الغسل إليه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحائل متصلًا بالبدن اتصالًا بأصل الخِلقة؛ كشعر اللحية الكثَّة، أو بغير أصل الخِلقة مِن نحو ما يتخذه الإنسان لمداراة عيب أو تكميل عضو أو أشباه ذلك، كالأنملة وأجزاء الأطراف الصناعية ونحوها مما يشق نزعه عند كلِّ غسل، وذلك هو الموافق لما تواردت عليه النصوص الشرعية وقررته القواعد المرعية، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «وَإِذَا أَمَرْتُڪُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، وقد تقرر في قواعد الفقه أنَّ "الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" لتاج الدين السبكي (1 /49، ط. دار الكتب العلمية).
وهذا مع مراعاة وجوب غسل ما قد يظهر من العضو الأصلي مما يتيسر إيصال الماء إليه؛ لما تقرر أنَّ "الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ"؛ كما في "المستصفى" للإمام الغزالي.
قال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "منحة السلوك" (ص: 73، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية): [ومن انكسر ظفره فجعل عليه علكًا أو نحوه: إن ضر نزعه: أمر الماء عليه، ولو كان المسح على العلك يضره: يجوز تركه، وقيل: لا، ومن أرسل علقة على يده أو رجله، فسقطت العلقة، فجعل الحنا في موضعهما، ولا يمكنه لا غسله: مسحه، فإن أضره المسح تركه، فيغسل ما حوله ويترك ذلك الموضع. كذا في "التتمة"] اهـ.
وجاء في "الفتاوى الهندية" في الفقه الحنفي (1/ 5، ط. الأميرية): [وذكر شمس الأئمة الحلواني إذا كان في أعضائه شقاق وقد عجز عن غسله سقط عنه فرض الغسل ويلزم إمرار الماء عليه، فإن عجز من إمرار الماء يكفيه المسح، فإن عجز عن المسح سقط عنه المسح أيضًا فيغسل ما حوله ويترك ذلك الموضع. كذا في "الذخيرة"] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "التلقين" : [فإن كان عليه شعر: لزم إمرار الماء عليه، ثم ينظر: فإن كان كثيفًا قد ستر البشرة سترًا لا تتبين معه: انتقل الفرض إليه وسقط فرض إيصال الماء إلى البشرة، وإن كان خفيفًا تَبِين منه البشرة: لزم إمرار الماء عليه وعلى البشرة، وسواء في ذلك أن يكون على خدٍّ أو شَفَة أو حاجب أو عذار أو عنفقة، ويلزم فيما انسدل عن البشرة كلزومه فيما تحت بشرة] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" (1/ 69، ط. دار الفكر): [لو اتخذ له أنملةً أو أنفًا من ذهب أو فضة: وجب عليه غسله مِن حدث أصغر أو أكبر، ومِن نجاسة غير معفو عنها؛ لأنه وجب عليه غسل ما ظهر مِن الأصبع والأنف بالقطع، وقد تعذر للعذر، فصارت الأنملة والأنف كالأصليَّيْن] اهـ.
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي في "القواعد" (ص: 5، ط. مكتبة نزار): [وأما المحاذي لمحل الفرض: فيجزئ إمرار الماء على ظاهره إذا كان كثيفًا؛ لأن إيصال الماء إلى الحوائل في الوضوء كافٍ وإن لم تكن متصلةً بالبدن اتصال خِلقة؛ كالخُف والعمامة والجبيرة، فالمتصل خِلقةً أَوْلَى] اهـ.